أيا تكن الدوافع الكامنة وراء الخرق الجوي “الإسرائيلي” للأجواء السورية، فإن هذا الحادث يضيف دليلاً آخر على النزعة العدوانية المتأصلة في عمق التفكير لدرجة الغريزة لدى قادة “إسرائيل”. نتحدث عن دليل إضافي مضطرين، ذلك أن قلة من السياسيين والمثقفين العرب بمن فيهم الفلسطينيون، يحاولون جاهدين إقناعنا بجدوى الاعتقاد بأن السلام ممكن والتفاوض مجد والعلاقات مفيدة مع هؤلاء القابعين في شرنقة الصهيونية الإلغائية العنصرية.

سيتصبب بعض المتفذلكين عرقاً وهم يحللون ويسبرون غور الاعتداء “الإسرائيلي” على سوريا بالتزامن مع قتل عشرة فلسطينيين في قطاع غزة بنيران الجيش نفسه. فبنظر البعض “إسرائيل” تستعرض فقط، وكأن الاستعراض في الأجواء العربية متاح لها. آخرون يعتبرونها تستدرج رداً سورياً يسمح ل “تل أبيب” بفتح جبهة - ربما- تحسن صورة الجيش الذي أذل في جنوب لبنان وقيادة “إسرائيل” التي تسعى جاهدة إلى تعطيل صدور تقرير فينوغراد أو على الأقل المماطلة وتأجيل صدوره عبر ما تيسر من أحابيل قضائية، وإن لم يكن فبتسخين يرفع الوضع إلى مستوى طوارئ يجمد كل شيء سوى التفكير والتخطيط للعدوان.

لكن من المؤكد- وهذا جديد أحوال أمتنا العربية- أن البعض يفرك يديه فرحاً بعربدة حبيبته “إسرائيل” على “عدوه” سوريا، ويتمنى بل ويعمل لكي تكون العملية “الإسرائيلية” خطوة في اتجاه احتلال سوريا وليس مجرد مغامرة عابرة واستعراضية. سيعتب البعض على هذا الكلام باعتباره مبالغة أو تشاؤماً إزاء الحالة العربية، هذا لأن حسن النية يفترضها في الآخرين، لذلك لا يستطيع عربي (من النوع الأصلي) أن يصدق أن عربياً يقبل- ناهيك عن كونه يتمنى أو يعمل على- احتلال أرض عربية. ألم تصدر دعوات علنية للأمريكان الى احتلال سوريا؟ ألم نصل إلى وضع يطالب العرب الاحتلال الأمريكي بعدم مغادرة العراق؟ وقد يتساءل البعض محقاً: إذا كان المتواطئون والذين يستجدون الاحتلال الأجنبي لبلدانهم قلة، فلماذا تتجه دفة الأمور بالاتجاه الذي يريدون؟ تساؤل مشروع لكن الإجابة عنه سهلة، فالإخلاص والوطنية والعروبة فقدت بعدها الجماعي وتأثيرها بعد رحيل جمال عبدالناصر، حيث تحوّلت إلى صفات فردية لا يتجلى حجمها الحقيقي سوى في استطلاعات الرأي، بينما القلة المتأسرلة المتأمركة والمدولرة متسقة ومنظمة ومتعوب عليها جيداً ويقودها مركز واحد ولا فردية في عملها باستثناء الحسابات البنكية.

في اجتماع المجلس “الإسرائيلي” المصغر قبل يومين، رفض أغلبية المجلس اقتراحات باجتياح قطاع غزة، وبرر الرافضون موقفهم مع أسباب أخرى، بالخشية من أن يفتح حزب الله جبهة في الشمال. إذاً هناك حسابات أخرى غير الحسابات البنكية.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)