هل كانت المواجهة الجوية الخاطفة بين سورية واسرائيل استفزازاً متعمداً، أو خطأ، أو انها لم تحدث أصلاً؟

البيان السوري المقتضب، والصمت الرسمي الاسرائيلي يترك الاحتمالات كلها مفتوحة، بما في ذلك أن تكون اسرائيل تحوّل الانظار الى سورية لإدراك حكومتها انه لن يحصل أي تقدم مع الفلسطينيين على صعيد التسوية في المؤتمر المقبل أو بعده.

الدكتور أحمد الطيبي، عضو الكنيست، لم يستبعد الاستفزاز المتعمد وأنا أحدثه هاتفياً، وهو قال ان في قيادة الاركان الاسرائيلية من يعتقد ان المواجهة مع سورية هي الخيار الاسهل، وأن ضربة سريعة، جراحية في دقتها، تكفي لإعادة الهيبة المفقودة بعد هزيمة الصيف الماضي في لبنان.

هو رجح ان السياسيين لا يريدون تدهور الوضع، الا انه حذر من ان الامور تأخذ أحياناً ديناميكية خاصة بها، والعسكر الاسرائيليون يحرضون منذ مدة على سورية، ويزعمون انها تحشد قوات على الحدود، وتعزز دفاعاتها الجوية.

الدكتور الطيبي يقول إن قيادة الجيش الاسرائيلي في الشمال تريد ان تثبت انها أصبحت أحسن وأقوى مما كانت العام الماضي، وخيارها الأول سورية والثاني لبنان، ثم هناك الخيار الدائم باجتياح غزة، وهذا مطلب قيادة الجنوب.

هل تأخذ المواجهة منحى غير ما قصد بها؟ هناك دائماً قانون العواقب غير المتوقعة، أو ان الحكومة الاسرائيلية قررت استئناف المفاوضات (من طريق أطراف ثالثة) مع سورية بوسائل غير القنوات الديبلوماسية المعروفة والأبواب الخلفية.

في جميع الاحوال الوضع مع سورية لا يمكن ان يفصل عن الوضع اللبناني أو الفلسطيني، خصوصاً مع تحالف سورية المعروف مع حماس وحزب الله، وترجيحي الشخصي ان الفصيلين الاسلاميين لن يتركا سورية وحدها اذا وقعت مواجهة عسكرية.

في الايام الثلاثة الماضية رأيت في لندن ثلاثة من المسؤولين الفلســـطينيين، كل منهم حسن الاطلاع جداً على سير الامور، وهم نبيل أبو ردينة، وجــــبريل رجوب ومحمد دحلان، ثم اتصلت برام الله.

لا يوجد أي تطور ملموس يمكن الحديث عنه، إن في المفاوضات بين أبو مازن وايهود أولمرت، أو بين حماس وفتح، ولا أحد يتوقع ان ينجح المؤتمر المقبل، بل انني لم أسمع أحداً يتوقع أي تقدم في عملية السلام في السنة المقبلة كلها، أي في ما بقي تقريباً من ولاية جورج بوش الثانية.

حماس ترفض التراجع عن انقلابها في قطاع غزة، ويبدو انها قانعة بإمارة غزة الاسلامية، وفتح تصر على عودة الوضع القائم السابق أو لا شيء.

الفلسطينيون أصبحوا يعارضون الفصيلين، منهم لم يصوتوا مع حماس بقدر ما انهم صوتوا ضد فتح في الانتخابات البرلمانية، والآن عاد ألوف منهم للتظاهر ضد حماس، وليس مع فتح، بسبب فشل حكومة حماس في تلبية الحد الادنى من مطالب المواطنين. وهي كان يجب ان تقدر، بغض النظر عن أسبابها في احتلال القطاع، أن قوى إقليمية ودولية كبرى لن تسمح لها بالنجاح، لأن نجاحها سيشجع الاسلاميين في كل بلد.

حماس الآن أفتت بمنع الصلاة في الساحات العامة، فهي ترى ان المقصود بها موقف سياسي لا الصلاة نفسها. وسألت الدكتور الطيبي ما الغضاضة من ذلك؟ ان من حق المواطنين ابداء رأيهم، ثم ان أي فتوى ضد الصلاة في ساحة عامة ستواجه بفتوى تبيحها، وهذا ما حدث فعلاً.

سألت ما الحل، وسمعت عن احــــتمال حل عربي، وأجده متعذراً لأن مصر لزمت الحذر والحياد، والسعودية مستاءة من الطرفين اللذين ضيعا اتفاق مكة المكرمة، وسمعت عن حل دولي، الا ان أي حل من هذا النوع يعـــني دوراً أساسياً للــــولايات المتحدة، ولا أرى ادارة بوش قادرة على النــــجاح في شيء، خصــــوصاً مع ما تواجه في العراق. وكان هناك بعد ذلــــك اقـــــتراح حــــل اسرائيلي، فاجتياح غزة سيقلب الطاولة على الاطراف الفلســــطينية كافة ويفتح وضعاً جديداً.

في الـــيوم التالي لحــــديثي السابق كـــان هناك البيان السوري عن انتهاك طائرات اسرائيلية الاجواء السورية، فلــــعل مواجهة سورية – اسرائيلية هي المـــخرج للجــــميع، لأنها لن تقتـــصر على البلدين، وإنما ستجر اليها الاطراف المحلية بما فيها ايران، والولايات المتحدة.

ما لفت انتباهي في الحديث مع المسؤولين الفلسطينيين انهم قدموا حلولاً ليس بينها حل فلسطيني واحد.

الاخوان المسؤولون الثلاثة كانوا في لندن لعمليات جراحية، فواحد في كليتيه، وآخر في قدميه بعد احشائه، وهو على العكازين، وثالث في ركبتَيْه. وجدتهم مكسَّرين مكسورين مثل القضية.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)