ثمة أمران محكومان بحمل الكثير من التطورات في الايام والاسابيع المقبلة، هما التقرير الذي سيصدره البيت الابيض لتقويم خطة "الاندفاع" في العراق التي بدأت في شباط الماضي تحت ضغط متزايد من الكونغرس الذي يسيطر عليه الديموقراطيون للانسحاب من العراق، والاجتماع الدولي الذي دعا اليه الرئيس الاميركي جورج بوش لمناقشة وسائل تحريك عملية التفاوض بين الفلسطينيين واسرائيل.

وقبل هذين الاستحقاقين رأينا بوش يهبط فجأة في محافظة الانبار كي يبعث برسالة واضحة الى الديموقراطيين مفادها ان هذه المحافظة التي كانت قبل بدء الاستراتيجية الجديدة في العراق ملاذاً آمناً للجماعات التي تقاتل القوات الاميركية، باتت اليوم بفضل الخطة الاميركية مكاناً آمناً يمكن الرئيس الاميركي ان يزوره، على رغم ان زيارته اقتصرت على قاعدة اميركية محصنة. المهم هنا هو الرمز الذي حملته الزيارة.

وكان بوش واضحاً في قوله أمام الجنود ان الانسحاب من العراق او خفض القوات لن يتم من موقع ضعف وإنما من موقع قوة. لكن الملاحظ ايضاً ان بوش طرح للمرة الاول امكان إجراء خفض للقوات الاميركية في حال استمر النجاح الحالي في الخطة الاميركية. وبكلام آخر فإنه كان يلمح بذلك الى امكان إتخاذ قرار بخفض القوات كي يحتوي المعارضة المتزايدة في الداخل الاميركي ولا سيما ان التصدع بدأ يظهر في صفوف حزبه الجمهوري حيال حرب لا تحظى بتأييد شعبي.

ولذلك فإن مهمة بوش هي ان يوحي اليوم بأن اميركا في موقع قوي في العراق، علماً ان التقارير الصادرة من الكونغرس وجهات مستقلة ومراكز استطلاع الرأي لا توحي بذلك. لكن الرئيس الاميركي الذي لم يعد في استطاعته تجاهل المعارضة ربما يقول في تقرير البيت الابيض ان الوضع في العراق بات يسمح بخفض تدريجي للقوات.

وهذا الخفض التدريجي سيسمح للقوى الاقليمية بأن تضطلع بدور أكبر في العراق، فالرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد كان واضحاً حين اعلن عن استعداد ايران لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الاميركي. أما في اسرائيل فإن هناك تخوفاً من ان ينعكس الانسحاب الاميركي تعزيزاً للمحور السوري - الايراني في المنطقة وحصول مواجهة في لبنان. ولذلك يقول معلقون اسرائيليون ان اسرائيل نصحت بوش بعدم غزو العراق عام 2003 خوفاً من المضاعفات التي سيخلفها ذلك على الدولة العبرية.

من هنا تأتي الرسالة التي بعثت بها اسرائيل عبر تحليق طيرانها الحربي فوق الاجواء السورية. فالدولة العبرية التي يقول بعض مسؤوليها ان حرب تموز من العام الماضي في لبنان قد أفقدتها قوة الردع، تريد ان توحي بانها على رغم الضرر الذي لحق بها في هذه الحرب، لا تزال قوة قادرة على المخاطرة بحرب أخرى.

ومن منطلق متشابه تعمل واشنطن واسرائيل على الايحاء بأنهما لا تزالان قادرتين على التأثير في الاحداث على رغم اتجاه المنطقة نحو مرحلة خفض القوات الاميركية في العراق وما سينشأ عن ذلك من معادلات جديدة. فالرئيس الاميركي سيقول في تقريره بعد اسبوع ان اميركا هي اليوم في موقع القوة ولذلك يمكنها ان تبدأ سحب قواتها. أما اسرائيل فيهمّها ان تقول ان الانسحاب الاميركي لن يؤثر على قوتها. وهذا هو معنى التسلل الى الاجواء السورية.

وقبيل القرار الاميركي بخفض القوات في العراق، وقبيل الاجتماع الدولي المستثناة منه سوريا على رغم دعوات عربية الى اشراكها فيه من منطلق شمولية العملية السلمية، فإن الحسابات الاميركية لها مرتكزات أخرى وأهداف أخرى من المؤتمر في مقدمها اقامة سد منيع في مواجهة القوى المرشحة لأخذ دور في العراق.

مصادر
النهار (لبنان)