في المرحلة الأولى من الغزو الاميركي للعراق في آذار (مارس) 2003، جرت حركة اتصالات استثنائية بين ايران والولايات المتحدة من جهة، وايران واسرائيل من جهة ثانية. وتناولت هذه الاتصالات البحث في «صفقة كبرى» عرضتها طهران ورفضتها واشنطن، رغم أنها اقترحت فيها نزع سلاح «حزب الله» ودعم المبادرة العربية للسلام والتعاون في الحرب على الارهاب. هذه اهم خلاصة من كتاب ينشر في الولايات المتحدة قريبا.

قنوات الاتصال السرية في المثلث الأميركي - الايراني - الاسرائيلي، وتفاصيل «مؤتمر أثينا» العام 2003، والذي بدأ أكاديميا وتحول منبرا للتفاوض غير المباشر بين تل أبيب وطهران، الى جانب تفاصيل اجتماعات مسؤولين أميركيين وايرانيين ووثائق العرض الرسمي من ايران يختزنها كتاب «التحالف الخبيث، أسرار التعاملات بين اسرائيل وايران والولايات المتحدة»، والمتوقع صدوره عن جامعة ييل المرموقة مطلع الشهر المقبل. ويستند الكتاب الى 130 مقابلة مع مسؤولين حاليين وسابقين، أجراها المؤلف تريتا بارسي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكينز بين 2001 و2007.

وجاء في الكتاب ان كولن باول وزير الخارجية السابق وضع، بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وبتأييد من نائبه ريتشارد أرميتاج ومستشارة الأمن القومي آنذاك كوندوليزا رايس «رزمة ديبلوماسية تمنح ايران انفتاحا أميركيا في مقابل دعمها في حرب افغانستان ووقف دعم المجموعات التي تعادي اسرائيل». وهيأت الرزمة لاجتماعات سرية بين ديبلوماسيين ايرانيين ومسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي في تشرين الأول (أكتوبر) 2001 في باريس وجنيف، قادها مبعوث ادارة بوش لدى أفغانستان جيمس دوبنز بدعم مباشر من باول. ووصلت الاتصالات الى مستوى وزارتي الخارجية، لمناسبة مؤتمر بون في ألمانيا في كانون الأول (ديسمبر) من العام ذاته حول أفغانستان، والذي شارك فيه عن ايران المندوب السابق لدى الأمم المتحدة جواد ظريف، وعن اميركا السفير الموفد السابق الى افغانستان زلماي خليل زاد والسفير السابق لدى افغانستان ريان كروكر الذي حاول بحسب الكتاب فتح الموضوع النووي مع ظريف الذي «لم يكن يحمل تعليمات في هذا الصدد من القيادة الايرانية». غير ان اجتماعات عقدها أركان من المحافظين الجدد، بينهم مايكل ليدين، مع معارضين ايرانيين في ألمانيا أبرزهم منوشهر غوربنيفار، واصرار حكومة أرييل شارون على «عبث» محاولات تغيير التصرف الايراني، واعلان اسرائيل ان اسلحة تنقلها الباخرة «كارين» مرسلة من ايران الى الفلسطينيين، كل ذلك اطاح جهود باول، ومهد الى ادخال ايران ضمن دول «محور الشر».

ويروي الكتاب انه بعد إسقاط النظام العراقي السابق، في آخر نيسان (أبريل) 2003 وقبل أيام من خطاب «انجاز المهمة» لبوش في أول أيار (مايو)، وضع الايرانيون مسودة «صفقة كبرى» لواشنطن أعدها سفير طهران لدى فرنسا آنذاك صادق خرازي وظريف، ووافق عليها آية الله خامنئي. كما استشار الايرانيون فيها السفير السويسري في طهران تيم غولدمان الذي يعتبر «الوسيط التقليدي» بين البلدين.

وعرض الايرانيون، في الصفقة، وقف الدعم لـ «حماس» و «الجهاد الاسلامي» والمساعدة في تحويل «حزب الله» الى «حزب سياسي فقط داخل لبنان»، والتعاون لمكافحة «القاعدة»، وفتح المنشآت النووية الايرانية امام المفتشين الدوليين وتأكيد الطابع السلمي لنشاطها. وتضمنت الصفقة ايضاً قبولاً وتبنياً واضحاً لمبادرة السلام العربية لحل النزاع العربي - الاسرائيلي. في المقابل طالبت طهران بإنهاء العقوبات الاقتصادية بالكامل، واحترام «المصالح الايرانية في العراق» و «الروابط الدينية في النجف وكربلاء»، والسماح لإيران بتكنولوجيا نووية سلمية وملاحقة جماعة «مجاهدين خلق» الايرانية المعارضة. واقترح الجانب الايراني عقد اجتماعات في باريس لمناقشة العرض.

وسلم النائب الجمهوري السابق بوب ناي، الذي يتقن الفارسية وعمل في طهران قبل الثورة، العرض الى البيت الأبيض، وبواسطة أقرب مستشاري بوش السابقين، كارل روف. وحاول كل من رايس وباول وأرميتاج العمل على اقناع بوش بالرد على المبادرة. لكن نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد تحفظا عنها بشدة، وبحجة «رفض الحديث مع الشر».

ويقول الكاتب إن اتصالات ايرانية - اسرائيلية جرت، في مؤتمر أكاديمي استضافته أثينا قبل أسابيع من تسليم غولدمان نص العرض لناي، وان الجانب الايراني كرر خلالها العرض نفسه. وينقل عن مسؤولين اسرائيليين «ان الرسالة هي نفسها التي نقلها ممثلون رسميون وغير رسميين من طهران في اجتماعات أخرى». ويخلص الكاتب الى ان هذا العرض لم يلق أي رد نظراً الى اقتناع واشنطن بإمكان حشر ايران واستثمار الانتصار في العراق، ووجود ليكود في الحكم في اسرائيل والمحافظين الجدد في البيت الأبيض.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)