لماذا اختارت سوريا تضخيم عملية الخرق الجوية لأجوائها، فيما عمدت “إسرائيل” إلى تحجيمها بل وحتى نفيها؟

ربما يتوجب البحث عن الجواب في طي التطورات التي حدثت طيلة الأشهر الثلاثة الأخيرة. وما حدث كان حاراً للغاية: احاديث وسيناريوهات متواصلة عن “صيف ساخن” يلهب كل الجبهات العسكرية السورية- اللبنانية- “الإسرائيلية”، ويكون مقدمة لتفجير كل الشرق الاوسط.

ثم، وبعد فترة توتر شديد، انفرجت الامور فجأة، وصدرت تصريحات متزامنة من كل من دمشق وتل أبيب تشبه إلى حد كبير بيانات مماثلة صدرت في القاهرة وتل ابيب في وقت واحد بعد حرب العام 1956: تصريح رسمي مصري يؤكد الرغبة في التسوية، يقابله تصريح “إسرائيلي” بعدم نية “إسرائيل” مواصلة احتلال سيناء. ثم بيانات مصرية أخرى تتضمن نقاطاً تطمينية أخرى، تليها أو تواكبها تصريحات “إسرائيلية” مماثلة. اجمع هذه التصريحات معاً تحصل على صيغة الاتفاق السري الذي تم على أساسه جلاء القوات “الإسرائيلية” من الأراضي المصرية المحتلة.

شيء من هذا القبيل حصل على ما يبدو بين سوريا و”إسرائيل” هذا الصيف. فبعد ان وصل التصعيد إلى ذروته، وشمل مناورات عسكرية وحشوداً وتدريبات في الجولان وحوله، بدأت تتوالى تصريحات من الطرفين دشنها نائب الرئيس السوري الشرع بتأكيده عدم وجود نية سورية لشن الحرب، أعقبها بيانات “إسرائيلية” تشدد على النية نفسها. وهكذا هدأت الامور، وتراجع التوتر، وعاود كل طرف حياته الطبيعية.

إلى ان جاءت الطلعات الجوية “الإسرائيلية” الأخيرة التي يبدو أنها لم تخرق هذه المرة السيادة السورية فحسب، بل أيضاً التوافق الضمني على وقف التصعيد. وهذا ما اعتبرته دمشق عن حق دليلاً على استمرار وجود النوايا “الإسرائيلية” المبيتة، فقررت الخروج بالحادث إلى العلن، رافعة سيف التهديد بالرد.

الخطوة السورية كانت حاذقة، سواء جاء رد الفعل السوري على الفعل “الإسرائيلي” بطلعات جوية مماثلة او بشكوى رسمية لمجلس الامن الدولي. لماذا؟ ليس فقط لأنها ستسلط الأضواء على الطرف الحقيقي الذي يسعى في الظلام لإشعال الحرب، بل أيضاً لكشف ما تبقى من خطط “إسرائيلية” محتملة ضد سوريا وكذلك لبنان.

بالطبع، قد تنجح الجهود الدبلوماسية، التي يرجح أن تكون نشطة الآن، لمنع عملية الاختراق “الإسرائيلي” للسيادة السورية من التوَسع كي يصبح خرقاً لحال اللاسلام واللاحرب. وهذا يمكن أن يتم إذا ما حصلت دمشق على اعتذار “إسرائيلي” مشفوع بضمانات بعدم تكرار الحادث.

لكن، ما لم يحدث ذلك، ستفهم دمشق حينها بقية الرسالة “الإسرائيلية” على حقيقتها: تل أبيب (ومعها واشنطن) لن تسمحا للتعاون العسكري السوري الروسي بالتطور أكثر من ذلك، خاصة في مجالي الدفاع الجوي الصاروخي وإحياء القواعد البحرية الروسية في اللاذقية وطرطوس. وهما قد تترجمان ذلك بشن حرب محدودة او حتى واسعة. وحينها سيكون على دمشق أن تختار بين أمرين: الاستسلام للإرادة الأمريكية “الإسرائيلية” او المقاومة.

حتى الآن لم تصل الامور إلى هذه المرحلة. لكنها قد تصل إليها في حال تبَين لسوريا أن الخرق “الإسرائيلي” ليس حادثاً معزولاً بل جزء من سيناريو أكبر. والأجواء الشرق الأوسطية الحالية المشحونة بشدة بالتوتر والقلق، تحتمل ليس فقط سيناريو كبيراً واحداً من هذا النوع، بل عشرة سيناريوهات من طرازه دفعة واحدة!

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)