ضابطان برتبة رائد، أورون وليرون، اللذان أصبحا الآن الزوجين منحا، تزوجا في يوم الاربعاء في قاعة الاحتفالات في بيت حنان. اورون هو ممثل مكتب الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي في قيادة المنطقة الوسطي؛ ليرون هي سكرتيرة رئيس هيئة الاركان. قائدها غابي اشكنازي جاء للمشاركة في الحفل، ولكنه عاد الي عمله في ساعات المساء المتأخرة. ما الذي فعله بالضبط وبمساعدة من، لا أحد يعرف. بعد ساعات أعلن السوريون عما أعلنوه. اسرائيل الرسمية حكمت علي نفسها بالصمت وما زالت مصرة علي موقفها هذا منذ ثلاثة ايام.
في العالم الذي اعتاد علي طوفان الأخبار والمعلومات والامور الشكلية والمظهرية التي تتغلب في أهميتها علي الجوهر، كان ذلك تغيرا مفاجئا حتي وإن كان عابرا ـ سد الكلمات يمكن أن يُخترق فجأة هو الآخر. للحظة واحدة بدا الواقع في صورة أقل خطورة مما يبدو عليه. تبين أن الشرق الاوسط هو منطقة يمكن تبادل الضربات فيها حتي من تحت الحزام ومن دون أن يتسبب ذلك في رد المضروب.
هذا درس قديم كان قد سُحب من القاموس لاسباب تتعلق بالصحة والسلامة السياسية، التي حظرت استخدام مصطلحات متقادمة مصابة بالتعالي مثل الكرامة العربية إبن عم الخيال الشرقي ، نشرت في مجلة الـ سي.آي.ايه في عام 1964 مقالة بقلم بيتر نافسنغر حول الكرامة الشخصية والقبلية والوطنية كعامِل من الضروري فهمه بالنسبة للمراقب الغربي. الخزي والارباك حسب رأي نافسنغر ـ وهو لم يجدد شيئا للخبراء ـ يبلوران السلوك في الشرق الاوسط ويمنعان الاعتراف بالخطأ الذي هو خطوة ضرورية في تصويب الأخطاء وتحسين عملية التنفيذ. من الممكن تحمل نتائج تعني في اماكن اخري الخسارة (وفي الشرق الاوسط يُسمح بنسب هذه النتيجة للرغبة الالهية) شريطة أن لا تكون ممزوجة بالمهانة.
اسرائيل أفشلت نفسها من خلال الترهيب الذي رافق الهزائم التي ألحقتها بالدول العربية ايضا عندما كانت هذه الهزائم مبررة. من هنا جاء شعار ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة الذي رفعه جمال عبد الناصر بعد حرب حزيران (يونيو) وإصرار صدام حسين علي مهاجمة اسرائيل بعشرات الصواريخ دفاعا عن كرامته الضائعة. ليست هناك أي احتمالية للسلام العربي الاسرائيلي من دون أن يكون لدي الحاكم ما يمكن أن يُسوقه لشعبه ولمراكز القوة في بلاده كاتفاق كرامة وشرف. بعد كل انجاز حققه الجيش الاسرائيلي كانت هناك مهلة زمنية تُستغل لزيادة القوة وتعزيز التحالفات. سورية لم تخضع لضعفها خلافا لاسرائيل. عندما تلقت ضربة قاسية جويا وضد قواعدها الصاروخية الارض ـ جوية في حزيران (يونيو) 1982 قامت بتطوير ألويتها الصاروخية من طراز ارض ـ ارض، ورعت الارهاب والمواد القتالية الكيماوية والبيولوجية وغيرها.
بعد اسبوع ستنعقد في فيينا قمة اليوبيل في الوكالة الدولية للطاقة النووية. بعد الاحتفالات سيتداولون في السياق وكالعادة في الخلاف العربي الاسرائيلي حول اقامة منطقة خالية من السلاح النووي ـ مصر، سورية وباقي الدول العربية ترغب في نزع هذا السلاح الآن، أما اسرائيل فتطالب بأن يسبق عملية النزع سلام شامل وثقة متبادلة تدريجياً.
السفير الامريكي السابق في الامم المتحدة جون بولتون، الذي كان في السنوات السابقة المُرتاب الأساسي في الادارة الامريكية بصدد تسلح سورية نوويا، وحذر قبل اسبوع في وول ستريت جورنال من ان سورية وايران قد توفران مهربا آمنا للذرة المحظورة المهربة من كوريا الشمالية. ليس من المريح لسورية ان تظهر في مؤتمر وكالة الطاقة كمشبوهة في تجاوز الانظمة في المجال النووي، خلافا لتعهداتها كعضوة في معاهدة عدم نشر السلاح النووي، ولكن من الصعب علي الغرب أن يكسر محور طهران ـ دمشق. في العامين الأخيرين تعاظمت قوة سورية بوتيرة تشبه تلك التي سادت خلال السنوات السبع السابقة منذ ان أُبعدت قواتها عن الاراضي اللبنانية.
في مقابلة نشرت في العدد الأخير من مجلة سلاح الجو، تفاخر العميد يوحنان لوكر، رئيس السرب الجوي، بقدرة سلاحه علي ضرب أهدافه. هذه القدرات مثيرة للاعجاب بالفعل خصوصا عندما يتمتع سلاح الجو بالتفوق الاستخباري ويفاجئ الأهداف واجهزتها الدفاعية، الا ان تأثير هذه الاسلحة محدود استراتيجيا. من الصعب جـدا إلحاق ضربات بليغة برغبة النظام أو الشعب أو أي تنظيم علي مواصلة الكفاح حتي تحقيق أهدافهم.
الازمة الحالية قد تمر، ولكن الهشاشة التي يتميز بها الوضع السائد بين اسرائيل وسورية ستبقي مُخيمة ومُهددة بالانفجار في كل لحظة. رغم أن الحرب لم تندلع إلا أن الفرحة ما زالت مبكرة: لم تُحل أي مشكلة أساسية، وهناك حاجة للحوار وليس للصمت من اجل التقدم نحو الحل.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)