بعد انسحاب القوات البريطانية من وسط البصرة لم تهدأ كليا موجة ردود الفعل في لندن، وهناك اجماع في الاوساط الاعلامية والسياسية البريطانية على ان العملية تشكل حدثاً مهماً في مسار احتلال العراق لأن بريطانيا شريك، وتسيطر على الجنوب، ويرى المحلل البارز في هيئة الاذاعة البريطانية روجرهاردي ان الخطوة ستكون لها انعكاسات على العلاقات البريطانية الامريكية، وقال ل”الخليج” إن اولى الاشارات بدأت وسط تراشق بالاتهامات بين جنرالات متقاعدين من الطرفين، ومن خلال متابعتي فقد وجدت ان الامريكيين يعتبرون الانسحاب هروبا، وقد رد العديد من المعنيين البريطانيين على هذه الاتهامات بالقول ان واشنطن، ولاسيما وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، كانت تفتقر للتخطيط لما بعد الحرب. ويرى هاردي ان الانسحاب من القصر الرئاسي السابق الواقع على شط العرب، والذي شغلته القوات البريطانية وحولته الى مقر رئيسي منذ دخولها سنة ،2003 يعني نهاية الوجود العسكري البريطاني داخل المدن العراقية. ويتوقع هاردي ان تسير على هذا المنوال القوات الأمريكية، ولكن ليس في القريب العاجل، حيث من المقرر ان تتجمع في مقار بعيدا عن المدن حيث تتكبد خسائر كبيرة. وكشف الصحافي المتخصص في شؤون الشرق الاوسط أن هناك معلومات متداولة في اوساط سياسية في لندن تؤكد أن الادارة الامريكية ومسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الدفاع الامريكية امروا بوقف الانتقادات الموجهة للبريطانيين، ليس لأن بريطانيا هي واحدة من عدد قليل من الحلفاء امكن الاعتماد عليهم منذ 11 سبتمبر فحسب، بل لانها ايضا الوحيدة التي تتمتع بقدرات قتالية في الحرب. وغير بعيد عن رؤية هاردي يعتبر المحلل الدفاعي البريطاني في دورية “جينيز” العسكرية تيم ريبلي، ان “الانسحاب قرار سياسي واستراتيجي مؤثر جدا، سيترك انعكاساته على علاقات بريطانيا مع الولايات المتحدة على مستوى عال جدا، انه ليس قراراً يؤخذ باستخفاف”. وقال “اننا نسحب والأمريكيون في موقف الهجوم”.

ويرى عسكري بريطاني سابق ان تأثير الخطوة البريطانية يتوجب قياسه من خلال النظر الى موقع البصرة كثاني مدينة عراقية، فهي تشكل قبل كل شيء بوابة العراق على الخليج، واهم موانئ تصدير النفط العراقي. ويعتقد هذا العسكري المتقاعد في لقاء مع “الخليج” ان الميليشيات المتنازعة في البصرة على النفط والنفوذ سوف تواصل التنازع في ما بينها، وبالتالي لن يسود الاستقرار. والأمر الثاني في نظره هو ان ايران مستفيد اساسي من العملية، وربما تحول الجنوب بأكمله الى ارض مفتوحة للمواجهة مع الامريكيين، فإذا لم يسارعوا الى ملء الفراغ الذي سوف يتركه الانسحاب البريطاني، فإن “تنظيم القاعدة” وانصاره سوف ينقلون نشاطهم الى هناك. ولهذا السبب اطلق وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري صرخة يحذر فيها، من ان سحب القوات الامريكية والبريطانية في وقت مبكر سوف يقود الى كارثة دولية، وتفكك العراق ووقوع حمامات دم بين السنة والشيعة والاكراد.

والملاحظة التي يلتقي عندها البريطانيون هي ان الانسحاب البريطاني النهائي من العراق بات على نار حامية، وهو متوقع في نهاية العام الحالي. قد يتأجل قليلا ولكنه اصبح أمرا محتوما، فالرأي العام البريطاني لم يعد يحتمل الأمر وهو يضغط من اجل طي صفحة الهزيمة في العراق، كما ان المحاولات الامريكية للتخفيف من عديد القوات تدفع في هذا الاتجاه. وتؤكد معلومات اوساط اعلامية بريطانية ان قائد القوات الامريكية في العراق دافيد بترايوس يمارس ضغوطا على وزير الدفاع روبرت غيتس، لاجراء انسحاب رمزي للقوات الامريكية من العراق قبل اعياد الميلاد، وان بعض المستشارين السياسيين للرئيس الامريكي جورج بوش نصحوه باعادة لواء من 3500-4500 جندي الى الولايات المتحدة بحلول تشرين الثاني/نوفمبر القادم وذلك لارضاء الجمهوريين من اعضاء الكونغرس، وكذلك جنرالات الجيش الذين يشعرون بالقلق إزاء الانتشار الواسع للجيش الامريكي.

إن الاتجاه السائد لدفع الموقف نحو التهدئة ما بين لندن وواشنطن هدفه عدم ترك الشرخ يتسع ويؤثر في الدرجة الاولى في وضع الامريكيين في العراق، وإذا كان يحرج البريطانيين ترك حلفائهم يواجهون وحدهم المصير القاسي، فإنهم لم يعودوا قادرين على دفع الثمن من دون نتيجة، خصوصا أن المكاسب السياسية التي تحققت عكسية تماما.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)