مهما كان الغموض الذي "لفّ" الاختراق الجوي الإسرائيلي للأراضي السوري، لكنه في مواقع الحال يعبر أيضا عن "غموض سياسي" كامل وحقيقي لآليات التعامل مع الأزمات في الشرق الأوسط. فالمشكلة في هذا التدهور لا يتعلق فقط برفع احتمالات الحرب، بل أيضا في زيادة العناصر الإقليمية المسببة للتوتر، على الأخص أن تركيا أصبحت أحد الأطراف بعد أن سقطت خزانات وقود الطاثرات الإسرائيلية على أراضيا، إضافة لقرب مسرح العملية من حدودها.

وفي كل ما جرى هناك امرين ثابتين ومعلومين:

 الأول أن الدولة العبرية والولايات المتحدة تعرف أن المكساحة الزمنية أمامها ضيقة لخلق أزمة جديدة، وتسارع الأحداث حتى مؤتمر السلام ضروري من أجل إعطاء هذه "التظاهرة" السياسية وظائف حقيقية وقابلة للتطبيق، وهي بالطبع لن تكون تحقيق السلام، بل استيعاب الأزمة الجديدة التي يمكن ان تظهر سواء في إيران أو سورية.

 الثاني متعلق بالجانب العسكري فأي صراع مسلح مع سورية لن يكون كالمعارك السابقة، وذلك بسبب انتهاء المعادلة الدولية التي وفرت دعما استراتيجيا لدمشق عبر الاتحاد السوفياتي السابق. وهذا يعني ان معالجة "الأزمة" لن تكون كسابقاتها، فأي حرب ستدفع الأطراف باتجاه معالجات جديدة ستتجاوز ضغط الأطراف الدولية لإنهاء النزاع.

عمليا فإن الحديث يدور اليوم عن حرب لا تملك أهدافا توسعية بالنسبة لإسرائيل، فهي حروب إضعاف الأطراف أكثر من كونها "فرض إرادة" على الطرف المهزوم، فطالما أن الاستراتيجية الأمريكية لم تحسم نهائيا في المنطقة، فإن "الحروب المرحلية" ستتبع الأهداف التكتيكية للولايات المتحدة. وعندما نشهد اليوم نقاشا داخل الكونغرس حول البقاء أو الانسحاب من العراق، فإن نتائج هذه المداولات ستؤثر بشكل مباشر على منحى أي صراع مستقبلي. فالخرق الجوي الإسرائيلي كعمل عدواني ومهما كانت أهدافه استطالاعية أو قتالية، لكنه في النهاية فتح باب الأزمة الجديدة.

ربما تكون الصورة غير واضحة، لكن تداعي الأزمات يحمل على الأقل رؤية أن التفكير بالعمل العسكري هو خط مستقل اليوم عن أي آليات السياسية موجودة، لأن مستقبل العلاقات الإقليمية لا يملك أجندة سياسية، وباستثناء التعثر الحاصل للاستراتيجية الأمريكية في العراق فإن السياسة ستقف بعيدة عن التطورات، وسيصبح تطور الأزمة مرتبط بحسابات ميزان القوى الذي على ما يبدو تتم مراجعته بشكل دقيق من قبل إسرائيل، فالخرق الجوي الإسرائيلي ليس مرصودا فقط من البنتاغون، بل هو ضمن حساباتها في تقدير "القوى" وطريقة التعامل معها مع تطور مسرح العلاقات الإقليمية من بغداد إلى غزة.