كثر الحديث خلال الأسابيع الماضية عن قرار الحكومة بإعادة توزيع الدعم على مستحقيه، ودافعت الحكومة عن قرارها هذا، فيما لو اتخذ، بكافة السبل والوسائل، وأرادت أن تفهم المواطن في النهاية بأن ما سيؤول إليه حاله بعد إعادة هذا التوزيع سيكون نحو الأفضل!

ورغم أن الحكومة وضعت المواطن بين خيارين، لكنها لم تستطع أن تقنع أي سوري بأي من هذين الخيارين، وتبين بالنتيجة أنها لا تملك آلية مقنعة لإعادة توزيع الدعم لمستحقيه، رغم قناعة السوريين بضرورة رفع هذا الدعم مستقبلاً.

والخلاصة إن إعادة توزيع الدعم إن لم يحقق مصلحة المواطن، يجب على الحكومة تأجيله إلى أن تمتلك الحكومة القدرة على تحقيق ذلك..

قد يكون ما سبق قد طرح خلال الأسابيع الماضية في أكثر من مكان.. إلا أننا نسوق ذلك لنقول التالي:

إن الحكومة لم تقترب من الشفافية بالشكل المطلوب، وإنها مازالت تدور (كعادة حكوماتنا) ضمن لعبة الألفاظ واستخدام الكلمات الطنانة وكأنها تحاور أو تخاطب (تلاميذاً في المدارس الابتدائية).

فمسؤول يرى أن الاقتصاد السوري بألف خير.. وآخر يرى أن إعادة توزيع الدعم أمر لا مفر منه لأن الخزينة لا يمكن أن تتحمل ما تدفعه (وهذا يعني رفعاً للدعم وليس إعادة توزيع) وآخر يختم حديثه بأن إعادة التوزيع قرار لمصلحة المواطن!!

والحقيقة تقول: إن صدّق المواطن ما يقوله بعض المسؤولين كان هو الخاسر الأول.

وبذات الشفافية والصراحة جاء موضوع رفع أسعار الطاقة الكهربائية. فعندما أنهى السيد وزير الكهرباء حديثه عن الطاقة الكهربائية المهدورة في سوريا وبعد شرح مفصل عن أسعار الكهرباء الجديدة والتي تم تطبيقها في أول الشهر الجاري قال: الوضع جيد، وكما وعدنا سابقاً فقد خفت الأزمة.. إن الاستخدام العقلاني المرشَّد سيحقق وفراً كبيراً على الاقتصاد الوطني وعلى المستهلكين مستفيدين من فترات التخفيض، ثم أضاف: إن التعرفة الجديدة تساهم في الحد من الإسراف وتبديد الكهرباء الذي يصل إلى نسب عالية وهو هدفنا الأساسي و(لم نكن نسعى لزيادة الواردات والتحصيلات على حساب حقوق المواطن!!).

(إذاً، الهدف واضح "حسب السيد الوزير" ليس زيادة الواردات والتحصيلات على حساب حقوق المواطن..) لكن هذا الهدف يتنافى مع ما صرح به السيد الوزير في بداية حديثه حين قال مناقضاً نفسه: إن التعرفة الجديدة تأخذ في الاعتبار ترشيد استهلاك الطاقة وإدارة الطلب على الكهرباء مع مراعاة الحاجات الأساسية للمشتركين و(استرداد التكاليف الاستثمارية والتشغيلية اللازمة لإنتاج واستثمار الطاقة!) مع إشارتنا إلى أن فترات التخفيض (لا تشمل الاستهلاك المنزلي).

ويبدو أن السيد الوزير نسي أن سكان المدن الكبرى كدمشق وحلب وحمص وغيرها من المحافظات يدفعون مبلغاً يفوق ما يجب دفعه أصلاً كقيمة للتيار الكهربائي قبل رفع أسعارها الحالية، فهم مكلفون من قبل الوزارة بدفع قيمة استهلاك الذين يستجرون الكهرباء (مجاناً) ودمشق وحدها (على سبيل المثال لا الحصر) يسكن في المناطق المخالفة فيها ما يعادل عدد سكانها غير المخالفين، وإن السكن العشوائي الذي يستجر الطاقة الكهربائية دون دفع ثمنها يجبر (غير المخالفين) أن يتحملوا هم نفقات هذا الاستجرار (منذ التسعيرة القديمة) فما الحال الآن وقد ازدادت التسعيرة؟؟ هذا يعني أن (غير المخالفين) سيدفعون ما يقارب أكثر من الثلاثة أضعاف ما يجب دفعه فكيف يتحدث السيد الوزير عن (حقوق المواطن) وعلى أي طريقة تمت دراسة الأسعار الجديدة؟!!

هل يستطيع السيد الوزير تحديد دخل الـ(4000) أسرة التي قال إنها تمت دراسة رفع أسعار الطاقة عليها؟ أو ما هو متوسط دخلها وما قيمة الطاقة المستجرة (وسطياً) لهذه الأسر وما نسبة قيمة الطاقة إلى هذا الدخل؟ هذا إن كانت العينة تمثل فعلاً المجتمع السوري.

وهل يضمن سيادته عدم ارتفاع الأسعار نتيجة ذلك في السوق (رغم أنها ارتفعت)؟ وهل تملك الحكومة آليات لضبط هذه الأسعار؟ وهل يكفي أن نعلن في الإعلام المقروء والمسموع والمرئي عن ضعاف النفوس ونعمم أرقام هواتف تموينية من أجل الشكاوى؟ ألا تعلم الحكومة أن قامعي المخلافات هم أفقر أو يتساوون بالدخل مع الشاكين؟ ومن يضمن ردة فعلهم تجاه الشكاوى..؟

يبدو أن الحكومة ضبطت كل شيء.. وأنجزت كل شيء.. وخاصة ما يتعلق بمصلحة المواطن..

والمشكلة بالمواطن.. المواطن فقط.. الذي لايعرف مصلحته.

مصادر
أبيض وأسود (سورية)