وإن كانت إسرائيل لا تزال تلتزم الصمت حيال تسلل الطيران الإسرائيلي إلى الأجواء السورية، إلا أن هذه القضية لا تزال تشغل وسائل الإعلام، وفي هذا السياق كتب رون بين يشاي في زاوية "في اختبار الأمن" على موقع "يديعوت أحرونوت" على الشبكة، متوجهاً بالنصح لإسرائيل لعدم استبعاد أن تقوم سورية بالرد على العملية المذكورة، وإن كان لا يتوقع أن يكون شكل الرد قد يؤدي إلى حرب شاملة.

وبدأ مقالته بتناقل ما كتبته بعض وسائل الإعلام حيال الموضوع ذاته، مشيراً بإصبع المصداقية لصحيفة "نيويورك تايمز"، التي اعتبرها "صحيفة أمينة بشكل عام" وذلك لكي يروج للأنباء التي نشرت فيها. وبحسبه فإنها لا تزال تعتبر وسيلة الإعلام التي تختار وتفحص بتشدد أقوال مصادرها في واشنطن وفي كافة أرجاء العالم، وتعتمد أسلوب اصطلاب أو تقاطع المعلومات.

وبحسبه فقد كان يجدر به الإشارة إلى هذه المقدمة، التي يصفها بالحقائق، لأنه في الأيام القريبة من المتوقع أن يحصل طوفان من التخمينات والادعاءات بشأن تحليق الطيران الإسرائيلي في سورية ليلة الخميس من الأسبوع الماضي.

ويضيف، أنه في الواقع فإن هذا الطوفان قد بدأ منذ يوم أمس، الثلاثاء، عندما نشرت مراسلة "سي أن أن" الأمريكية ادعاء بشأن ظروف تلك "الغارة". ويختلف ادعاء كريستيان أمنبور عن ادعاء "نيويورك تايمز". فهي تدعي على سبيل المثال، استنادا إلى موظف في الإدارة الأمريكية، أن طائرات سلاح الجو هاجمت إرسالية أسلحة من إيران إلى حزب الله، عن طريق الأراضي السورية. كما ادعت أن قوات برية إسرائيلية شارك في العملية.

وفي المقابل، فإن "نيويورك تايمز" كتبت، استنادا إلى موظفين مجهولين في الإدارة الأمريكية، أن هدف الغارة الجوية كان منشآت اشتبهت إسرائيل بأنها تحتوي على مواد نووية نقلتها كوريا الشمالية إلى سورية. وتضيف الصحيفة الأمريكية أن طائرات سلاح الجو الإسرائيلي قامت بطلعات جوية لتصوير هذه المنشآت. إلا أن الصحيفة لا توضح ما أشارت إليه تقارير سورية بشأن تنفيذ هجوم، وماذا تحقق في هذا الهجوم، كما لا تذكر أن قوات برية شاركت في العملية.

ووسط تردد حيال ما تناقلته وسائل الإعلام، يقترح بين يشاي على القارئ أن يقرر بنفسه من يصدق. ولم يستبعد أن ينضم عدد من وكالات الأنباء إلى السباق وراء المعلومات، وقد تتضح عندها الصورة، أو ربما تتشوش أكثر.

وينصح بن يشاي القارئ الإسرائيلي المتعطش للمعلومات أن يتبنى قاعدتين؛ الأولى تفضيل وسائل الإعلام والمراسلين المعروفين بصدقيتهم وبعلاقاتهم مع مصادر المعلومات، والثانية الاحتفاظ بالمعلومات/ الحقائق التي نشرت والتي لا خلاف عليها.

وبحسبه فإن الحقائق هي:

أولا: إن الطائرات التي تسللت إلى الأجواء السورية قامت بإلقاء خزانات وقود، قابلة للانفصال، في الأراضي التركية. وهذه الخزانات تم تشخيصها من قبل الأتراك بوصفها تابعة لطائرات "أف 15"، ومن هنا فإن تركيا تطالب بتفسيرات.

ثانياً: يقول السوريون، بشكل رسمي، إن الطائرات التي تسللت قد حلقت بالقرب من دير الزور، شرق سورية. ويقول سكان المنطقة إنهم سمعوا دويا فوق صوتي. وبحسبه فإن دير الزور هو مركز صناعة النفط السورية، ويوجد بها مصانع بتروكيماوية وكيماوية كثيرة، يعمل بها الكثير من المهندسين ذوي الخبرة في تصنيع وإنتاج المواد المختلفة. وحول المدينة، وبموجب معطيات اقتصادية نشرتها سورية، فهناك كسارات ومناجم كثيرة، يتم تصنيع الإسمنت والفوسفات منها. كما أن دير الزور تقع على نهر دجلة، القريب من الحدود السورية العراقية، والبعيدة جداً عن الحدود مع إيران، كما أنها بعيدة جداً عن الحدود مع إسرائيل.

ثالثاً: قال وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، في مؤتمر صحفي، إن الطائرات المهاجمة استخدمت "ذخيرة حية" في الأراضي السورية، في محيط دير الزور. وبحسبه، لم يتسبب الهجوم بأية أضرار. لم يعرض صوراً للذخيرة الحية التي ألقيت من قبل الطائرات الإسرائيلية، كما لم يقل بالضبط ما هي "الذخيرة الحية" التي تم إلقاؤها.

رابعاً: قال عضو في مجلس الشعب السورية إن العملية الإسرائيلية فشلت، والدليل على ذلك هو أن إسرائيل كانت قد أعلنت بشكل رسمي قصفها وتدميرها للفرن الذري العراقي قبل 26 عاماً، في حين أنها لم تعلن حتى الآن ماذا نفذت الطائرات في الأراضي السورية، في الأسبوع الماضي، وتقوم بنشر بيانات متناقضة.

خامساً: كورية الشمالية كانت الدولة غير الإسلامية الوحيدة في العالم التي نشرت حكومتها بيان استنكار رسمي شديد اللهجة لـ"العملية الإسرائيلية". ويضيف إن بيانات حكومية كهذه، والتي تتناول مسألة لا تتصل مباشرة بكورية الشمالية، هي نادرة جداً، لأنها امتنعت حتى الآن من نشر مواقفها حيال قضايا تتعلق بالصراع الإسرائيلي- العربي.

وأضاف "في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه قد نشر في الإعلام العالمي والعربي في السنوات الأخيرة أنباء تشير إلى أن سورية تسعى إلى امتلاك قدرات استراتيجية متنوعة تتيح لها مواجهة إسرائيل، مثل إنتاج مواد قتالية كيماوية، يتم إنتاجها حالياً في سورية. كما إنه من المعروف أن سورية على علاقات وثيقة مع إيران وكورية الشمالية اللتين تقدمان لها المساعدة في برامج التسلح، وخاصة الصواريخ البالستية والقذائف الصاروخية".

ويتابع بن يشاي إن الرسائل والإشارات بين الدول هي مسائل حساسة، ومن الممكن أن يتم نقلها بقنوات دبلوماسية، وبالإمكان نقلها عن طريق وسائل الإعلام. إلا أنه في الحالات التي يكون فيها أحد الطرفين مهدداً، ومعني ببث رسالة قاطعة إلى جانب أو جوانب أخرى، فهو يستخدم أحياناً الوسائل العسكرية.

ويضيف أن إسرائيل تلتزم الصمت حتى الآن. ولكن في المقابل فإنه على إسرائيل أن تستعد لإمكانية أن يقوم السوريون بالرد، وإذا لم يفعلوا ذلك الآن، فقد يفعلوا ذلك بعد عدة شهور. ولا يستبعد في الوقت نفسه أن يكون "الرد السوري" محدوداً ولا يؤدي إلى حرب شاملة. وفي هذا السياق يدعي أن سورية لا تزال غير جاهزة لحرب شاملة.