فرضت عملية الخرق الإسرائيلية للأجواء السورية نفسها على أجندة محادثات نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر سلطانوف مع المسؤولين السوريين الخميس الماضي، وسط تأكيد الطرفين على ان «التصعيد وإثارة التوتر لا يخدمان السلام في الشرق الأوسط». ولكن بقي موضوعا الاستحقاق الرئاسي في لبنان و»الاجتماع الدولي للسلام» المقرر في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ملحين كونهما أساسيين في الاجندة الإقليمية والدولية في الأشهر المقبلة. وبحسب المعلومات المتوافرة لـ «الحياة» تبدي سورية «حذراً شديداً» إزاء دعوة الرئيس الأميركي جورج بوش سواء لجهة احتمالات نجاح الاجتماع أو لجهة حضور ممثلين سوريين فيه.

وكان بوش وضع «شروطاً» لحضور سورية الاجتماع تتعلق بـ «الاعتدال» عبر «التوقف عن دعم الإرهاب». لكن معظم الدول العربية والأوروبية يرى ضرورة دعوة الجانب السوري. ويتوقع ان يكون هذا الأمر موضع بحث أيضاً في اجتماع اللجنة الرباعية وممثلي لجنة تفعيل مبادرة السلام العربية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في موعد اولي اقترح في 23 الجاري.وتفيد المعلومات ان المسؤولين السوريين ينظرون الى الاجتماع من ثلاث قواعد: الأولى، لا بد من إجراء مشاورات حول الاجتماع لتحديد إطاره وأسسه ومرجعياته وضماناته كما حصل قبل الدعوة الى مؤتمر مدريد في العام 1991 الذي قام على أساس «الأرض مقابل السلام» والقرارين 242 و338. القاعدة الثانية، ضرورة ان يتناول الاجتماع جميع المسارات التفاوضية، السوري واللبناني والفلسطيني، وقضايا الصراع العربي- الإسرائيلي الآنية والنهائية. والثالثة، تحديد إطار زمني لآلية العمل وتحقيق أهداف المؤتمر بحيث لا تكون الأمور مفتوحة الى ما لا نهاية.
من اليمين: فاروق الشرع والكسندر سلطانوف (أ ب)

ويختلف الأمر بالنسبة الى بقية الدول العربية، ذلك ان دولاً أوروبية تعتقد من خلال اتصالاتها مع الدول العربية ان الجانب العربي يريد ثلاثة أمور من المؤتمر هي: «قرار باستئناف المفاوضات على كل المسارات بما فيها السوري واللبناني، جدول أعمال يحدد المفاوضات، جدول زمني لتنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

ويأتي الحذر السوري من معلومات تشير

الى ان الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت يحاولان التوصل الى «مذكرة تفاهم» تعلن في الاجتماع الدولي ويطلب من جميع الأطراف، بما فيها سورية في حال دعيت الى الاجتماع، ان تكون «شهوداً عليها». لكن المصادر السورية تقول ان دمشق: «لا يمكن ان تكون شاهد زور».

والمصدر الثاني لـ «الحذر السوري»، وجود اعتقاد بأن أولمرت يسعى الى الحصول على «خطوات تطبيعية مجانية» من الدول العربية من دون قيامه بأي خطوات ملموسة، الأمر الذي يفسر تشديد دول عربية كبرى على وجوب إقدام اولمرت على «خطوات ملموسة» قبل تأكيد حضورها الاجتماع. وأعربت المصادر عن الاعتقاد ان «بعض الدول العربية يريد حضور سورية، كي يبرر إقدامه على خطوات تطبيعية وكي يبرر حضوره من دون تحقيق اي خطوات ملموسة من اولمرت». عليه، تشير المصادر السورية الى ان وجود «الكثير من الضبابية» في شأن الاجتماع وأن»عناصر التفكير الأميركي ليست واضحة الى الآن، حتى بالنسبة الى الأوروبيين ودول عربية قريبة»، ما يطرح أسئلة في دمشق في شأن احتمال ان يأتي الاجتماع ضمن أمور داخلية لإدارة بوش وحكومة أولمرت.

الموقف من لبنان

وبالنسبة الى لبنان، لا يختلف ما سمعه سلطانوف في دمشق عما يقول المسؤولون السوريون في خطاباتهم العلنية. وبحسب المعلومات، فإن المسؤول الروسي سأل عما إذا كان لدى سورية «مرشح مفضل» للرئاسة اللبنانية وان الجواب كان ان دمشق لا تتداول الأسماء وان الحل يجب ان يكون لبنانياً وان يكون دور الدول الإقليمية والدول الكبرى «دعم التوافق وتحصينه». وقالت مصادر دبلوماسية روسية لـ «الحياة» ان سلطانوف سأل ايضاً عن قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وأن الجانب السوري نوه به ودوره، خصوصاً في الفترة الأخيرة لدى القضاء على تنظيم «فتح الإسلام» الإرهابي، غير ان دمشق حرصت على القول انه ليس لديها «مرشح رئاسي». وأشارت المصادر الى

توافق روسي - سوري على ان «انتخاب الرئيس موضوع لبناني».

وكان نائب الرئيس فاروق الشرع أجرى محادثات في روما مع البابا بنيديكتوس السادس عشر تناولت الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وقالت مصادر رسمية ان الشرع أشار الى»تطابق النظرة السورية مع رؤية البابا في ان يكون الرئيس اللبناني المقبل لجميع اللبنانيين وليس لفئة دون غيرها، وان يتم الاستحقاق ضمن المهلة الدستورية

المحددة». كما شدد الشرع لاحقاً على ان بلاده «تريد لبنان موحداً وسيداً ومستقلاً»، مشيراً الى «أهمية ان يحظى الرئيس المقبل بتأييد جميع اللبنانيين». وكانت سورية أبدت تأييدها المبادرة الفرنسية ولاحظت «تقاطعات» مع مواقف الرئيس نيكولا ساركوزي في شأن ضرورة ان يكون الرئيس «قادراً على التعاطي مع جميع اللبنانيين» وان لا يكون محسوباً على جهة دون أخرى. كما ان دمشق أشارت الى ان مبادرة الرئيس نبيه بري «لبنانية صرفة» تتضمن عناصر إيجابية، الأمر الذي سمعه سلطانوف ايضاً في دمشق، مع الإشارة الى عدم وجود «سوى ردود أولوية» من قوى 14 آذار إزاء هذه المبادرة.

وتتداول الأوساط السياسية السورية المعنية في ان الأزمة في لبنان هي اعمق من موضوع الاستحقاق الرئاسي وما إذا كان الرئيس يجب ان ينتخب بتوافر ثلثي النواب أو النصف زائداً واحداً، فالأزمة تتعلق باختلاف داخلي في شأن نهج لبنان وفهم أحداث المنطقة وموقع لبنان، ذلك بوجود تيارين إزاء كيفية التعاطي مع المشروع الأميركي في الشرق الأوسط.

عليه، فإن دمشق تعتقد ان افضل حل يكون بترك الأفرقاء اللبنانيين يصلون الى توافق، وفق الاعتقاد بأن ترك الأطراف من دون تدخل لا بد ان يوصلهم الى اتفاق وقواسم مشتركة، على ان يأتي دور الدول الإقليمية والكبرى بعد ذلك عبر دعم التوافق وتحصينه... «لأن التدخلات الخارجية اياً كان مصدرها، تؤجج الخلاف بدل حله».

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)