كشفت مصادر ديبلوماسية لـ «الحياة» ان عدداً من كبار المسؤولين السوريين الذين التقاهم السفير الفرنسي ميشيل دوكلو في دمشق، أبلغوا الجانب الفرنسي ان مبادرة رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري في شأن الاستحقاق الرئاسي في لبنان، تدخل في إطار الجهود التي بذلتها سورية تجاوباً مع طلب فرنسا منها القيام بدور ايجابي في الاستحقاق الرئاسي اللبناني.

وخلال اللقاء مع دوكلو، سأل المسؤولون السوريون السفير: ما المتوقع من سورية بالتحديد كي يعود الحوار بينها وبين فرنسا على الصعيد السياسي، فقال السفير الفرنسي انه ينبغي القيام بدور ايجابي في شأن الاستحقاق الرئاسي في لبنان وعدم عرقلته. فرد الجانب السوري بأن مبادرة بري تظهر ان دمشق تجاوبت مع هذا الطلب، «والآن يأتي دور الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية لتقدمان مبادرة في اتجاهنا».

الى ذلك، اعتبرت المصادر الفرنسية ان التطورات في لبنان اجتازت عدداً من المراحل مع مبادرة بري ورد قوى 14 آذار وموقف بري «غير الراضي» من الرد، لكنه على رغم ذلك أظهر استعداده للتقدم نحو حل. ورأت المصادر في هذه التطورات ما يدعو الى التفاؤل، إلا انها نبهت من ان «هذا التفاؤل حذر وعلى رغم وجوده ما زالت الطريق طويلة والصعوبات كبيرة»، سائلة: «هل تسمح سورية وحلفاؤها في لبنان، وهم حلفاء بري، بأن يستمر في مبادرته»؟ وزادت: «بري قال لجميع الأطراف الذين التقاهم انه قام بهذه المبادرة من دون استشارة أحد وأنه خاطر بذلك، وعدم رضاه عن رد قوى 14 آذار نابع من أنه خاطر ولم يأخذ شيئاً مقابل ذلك. ولكنه اكد انه مستعد للاستمرار في مبادرته، متوقعاً مشاكل مع حلفائه لأنهم ايضاً غير راضين عن رد 14 آذار. وقال بري كذلك إن حلفاءه تركوه يقوم بعمله ولكن بعد هذا الموقف من 14 آذار سينهالون عليه بالانتقاد واللوم».

وقالت المصادر: «إذا كان بري صادقاً في ما يقوله، قد يتعرض للوم من «حزب الله» ومن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون باعتباره انه أعطى الكثير لـ 14 آذار ولم يتجاوبوا معه». وأعربت المصادر عينها عن خشيتها من احتمال عدم الاتفاق بين الأكثرية والمعارضة على كيفية إدارة الحوار من اجل التوصل الى نتيجة لمبادرة بري. وذكرت ان الأخير يعتبر انه المخوّل الوحيد لإدارته ولكن عدداً من أقطاب قوى 14 آذار يعتبر انه لا ينبغي اعطاؤه هذا الدور لأن لا شيء في الدستور يعطيه إياه، فضلاً عن كونه رئيس حزب اساسي في المعارضة. وأشارت المصادر الى ان بري عبّر لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير حينما التقاه، عن استيائه وغضبه إزاء أقطاب 14 آذار، في حين حاول كوشنير، الذي يعرفه منذ فترة طويلة وكان اللقاء معه حاراً، إقناعه بأن يبدي ليونة وإيجابية في المداخلة التلفزيونية على شاشة «ال بي سي»، التي تلت لقائهما.

واعتبرت المصادر الفرنسية ان رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري «يثق ببري ويعتبره صادقاً، لكنه يتساءل عما اذا كانت سورية ستسمح له بالوصول الى حل». وأوضحت ان الحريري «يعتقد ان في إمكان بري الوصول الى نتيجة اذا أتاحت له سورية ذلك، مما يستدعي الضغوط الدولية عليها». وأكدت المصادر ان كوشنير، في اللقاء المرتقب بينه وبين نظيره السوري وليد المعلم في نيويورك، على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة، «لن يقول له انه هنا لمعاودة الحوار مباشرة مع سورية، وإنما سيردد له مجدداً وجهاً لوجه ان فرنسا مستعدة لمعاودة الحوار مع سورية شرط أن يخففوا الضغط على لبنان وأن يتيحوا للانتخاب الرئاسي اللبناني ان يتم في موعده ودستورياً».

واعتبر قطب أساسي في الأكثرية ان بري «يتوقع الموافقة على مبادرته من الأكثرية وبعد ذلك يقرر التوجه الى البطريرك ليتفاهم معه حول مرشح ثم يذهب الى مجلس النواب ويدعو النواب ويتم الانتخاب». ورأى القطب نفسه «ضرورة ان يكون الحوار في القضايا السياسية وليس كما كان في الماضي قريب في الصيغ العددية للحكومة، لأن هذه الصيغ لا تعني شيئاً». وأكد ان عدد الوزراء من الأكثرية والمعارضة لا يغير شيئاً إذا لم يكن هناك تفاهم في القضايا السياسية الأساسية». وأشار القطب الى ان الأكثرية تدعو منذ أشهر المعارضة الى التفاهم على القضايا السياسية، «وهم يقولون ان الحوار مضيعة للوقت... ولكن كيف سيوضع البيان الوزاري للحكومة التي ستشكل بعد انتخاب الرئيس من دون حوار؟».

وقال: «إذا بدأ العهد الجديد بأزمة وزارية سيبقى الوضع معطلاً». واعتبر القطب أن المعارضة تريد التهرب من مناقشة المسائل الأساسية الآن»، معتبراً ان مبادرة نبيه بري «أتت نتيجة ضغوط على ايران وسورية خصوصاً ان المعارضة سقطت في الاعتكاف والمحكمة الدولية والاعتصام، وفي محاولة الدخول الى السراي وفي إسقاط الحكومة». وأضاف: «كان السقوط الأكبر لـ «حزب الله» والمعارضة التي كانت بدأت بوضع الخطوط الحمر، في نهر البارد، ولم تصدر عنهم كلمة بعد ذلك». وقال القطب ذاته: «عملت الأكثرية لتكوين مناخ عربي ودولي للانتخابات الرئاسية مثلما جرى للانتخابات التشريعية... وقيل لسورية ممنوع اللعب بالانتخابات الرئاسية... لذلك يركزون الآن على شخص الرئيس ويرفضون الحوار حول السياسة والقضايا الأساسية».

وسأل القطب: «في حال تم الاتفاق على رئيس جمهورية، من يكون رئيساً للحكومة؟ هل يكون فؤاد السنيورة أو سعد الحريري؟ السنيورة سيواجه بالتعطيل، والحريري بتعطيل أكبر... من هنا تحفظ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي يرى ضرورة إجراء حوار سياسي على القضايا السياسية التي ضحت من أجلها الأكثرية».

وتوقع القطب انتخاب رئيس بالتوافق، «إلا ان جنبلاط لن يصوت لمرشح توافقي من دون الاتفاق على قضايا سياسية أساسية».

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)