ترجمة وتحرير: إياد ونوس

في 31 آذار 2004، قتل أربعة متعاقدين مدنيين أمريكيين في تفجير في الفلوجة في العراق. وقد أحرقت جثث المتعاقدين وعلقت على جسر. بعدها في مشهد يذكر بمقديشو الصومال، تعرضت الجثث للضرب والجر في الطرقات. وبينما تم تصوير المتعاقدين في الإعلام على أنهم عمال أمريكيون يساعدون العراقيين على إعادة إعمار بلادهم، كانوا في الواقع عناصر سابقين في ما يسمى "حيتان البحرية" الأمريكية، وهي قوات أمنية شبه عسكرية تعمل لصالح "بلاك ووتر أمريكا"، وكانوا في مهمة لجمع المعلومات.

إن منظمة "بلاك ووتر" للاستشارات الأمنية، والتي قتل أربعة من عناصرها في تفجير في منطقة الفلوجة في العراق، واحدة من عدة مؤسسات أمنية خاصة تقوم بتوظيف مقاتلين سابقين للقيام بأعمال متفق عليها مسبقا لصالح الجيش. هناك 1500 عميل أمني خاص من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وغيرها من الدول مثل نيبال وتشيلي وأوكرانيا، ,إسرائيل وجنوب إفريقيا وفيجي، تم توظيفهم في العراق خلال الفترة الأولى من الحرب. وهناك ما يقارب 25 منظمة أمنية مختلفة تعمل في العراق، وتؤدي مهمات تتراوح بين تدريب الشرطة والجيش في البلاد إلى حماية قادة الحكومة وتنفيذ العمليات الخاصة، إلى تقديم الدعم اللوجستي للجيش الأمريكي.

وفي آذار 2004، ذكرت تقارير أن "بلاك ووتر" قامت بنقل مايقارب 60 ضابطا سابقا من تشيلي، عمل أكثرهم في التدريب خلال الحكم العسكري في قترة أوغستو بينوشيه، حاكم سانتياغو، إلى معسكر تدريب تابع ل"بلاك ووتر" في شمال كارولينا، ومن هناك، تم نقلهم إلى العراق.

في مقابلة له مع الصحيفة التشيلية "لا تيريسا"، قال الضابط التشيلي السابق كارلوس فامغنيت (30 عاما)، والذي كان ذاهبا إلى العراق: "نحن هادؤون، هذه المهمة ليست جديدة بالنسبة لنا". وأضاف "في النهاية، هي امتداد لعملنا في الجيش".

وقال جون ريفاس (27 عاما)، الذي كان يخدم في البحرية التشيلية، إن العمل في العراق سيقدم "دخلا جيدا جدا"، مضيفا "ولا أشعر وكأنني مرتزقة".

وحسب أقوال غاري جاكسون، رئيس منظمة "بلاك ووتر" في الولايات المتحدة الأمريكية،

"نقوم بتنقيب العالم بحثا عن محترفين، والقوات الخاصة التشيلية محترفة بشكل جيد جدا، وينسجمون مع نظام "بلاك ووتر". مضيفا، "تضاعف حجمنا بمقدار 300 % خلال السنوات الثلاث الأخيرة ولانزال صغيري الحجم مقارنة مع منظمات "بلاك ووتر" الكبيرة". "لدينا سوق صغيرة، ونعمل باتجاه أن نصبح الأفضل".

إن خصخصة الأمن في العراق بازدياد مضطرد مع سعي الولايات المتحدة إلى تخفيف حجم قواتها النظامية. ولكون الشركات الخاصة تقدم أجورا لأفراد القوات الخاصة المحترفة أكبر بكثير من الجيش، فقد أدى ذلك إلى ازدياد نسبة رفض إعادة الالتحاق بين جنود الاحتياط في الجيش الأمريكي من ذوي الخبرة والمهارة العالية. وقد أدى هذا إلى واقع عسكري جديد تقوم فيه الشركات الخاصة بتولي المهام التي كانت سابقا من مهمات قوى الجيش "النظامية".

حسب أقوال جاكسون، "هناك مشكلات داخل الجيش الأمريكي". مضيفا "إن كانوا بصدد قطع التمويل عن المهمات التي كانت توكل إلى الجيش العامل ويقومون الآن باتسخدام المتعاقدين الخاصين، فهؤلاء الجنود [في الجيش العامل] يراقبون ويتساءلون "أين المال؟".

وحسب مصادر في مركز معلومات الدفاع في الحكومة الأمريكية، فإن خصصة مسؤوليات الأمن تأتي من رغبة الحكومة الأمريكية باستخضار المزيد من القوات إلى العراق وغيره من الأماكن في مهمات لا تكفي القوات الأمريكية النظامية لتغطيتها بالكامل. كما أن "برنامج خدمة حماية الأفراد حول العالم" القائم على التعاقد مع شركات خاصة ليس جديدا، إلا أن استخدامه قد تزايد بشكل كبير منذ تولي بوش الرئاسة الأمريكية.

تتفاوت التقارير عن عدد "المتعاقدين الخاصين" العاملين في العراق بين 10 إلى 20 ألف. وقد قتل 269 عنصرا منهم خلال العمليات حتى أيلول 2005 . وقد تزايدت التساؤلات عن طبيعة المهام التي تقوم بها هذه القوات الكبيرة من المرتزقة المأجورين. يتشكل عناصر هذه الشركات الأمنية من أفراد القوات الخاصة الذين تلقوا تدريبات عالية المستوى، والعديد منهم غير أمريكيين، مما لا يلزمهم بقواعد الاشتباك التي وضعتها الجيوش التقليدية وفق القانون الدولي. وبمرتبات قد تصل إلى 1000 دولار أمريكي في اليوم، جرى توظيف فرق من البوسنيين والفلبينيين والإسرائيليين، وجنسيات أخرى مختلفة من كل "بقعة ساخنة" في العالم للقيام بمهمات تتراوح بين أمن المطارات إلى حماية القادة الأمريكيين والعراقيين. وهناك قلق آخر يعود إلى أن ولاء المقاتلين غير الأمريكيين للمنظمة الأم قد يغلب على ولائهم للولايات المتحدة التي يمثلونها، مما يخلق احتمالا كبيرا من أن صورة الولايات المتحدة في الخراج سوف تتهشم.

ومنذ عام 2003، تقوم "بلاك ووتر" بحماية المسؤولين الأمريكيين الرفيعي المستوى في العراق، من بينهم حماية ثلاثة سفراء منذ بدء الاحتلال. وقد تم التعاقد مع "بلاك ووتر" مع نهاية فترة تولي بول برمر مهامه في بغداد.

حسب برنامج وزارة الخارجية، يمكن توكيل الجهات التي يتم التعاقد معها في أي مكان في العالم حتى ضمن الأراضي الأمريكية، مع تأكيدها على أن هناك حاجة "طويلة الأمد لخدمات الحماية" هذه. لكن بعض أعضاء الكونغرس الأمريكيين باتوا يتساءلون عن الأسباب التي تدفع "بوش لتوقيع شيكات مفتوحة لمنظمة "بلاك ووتر" وغيرها، بينما تبقي الأمر سرا عن الكونغرس والشعب الأمريكي".