ترجمة: شعلان شريف

سفينة كورية شمالية تختفي دون أثر قبالة الساحل السوري. غارة جوية إسرائيلية على مواقع داخل سوريا. إسرائيل السباقة دائماً إلى إعلان ما "تنجزه" في وسائل الإعلام، تلوذ بالصمت. وسط هذا الصمت تظل ماكنة الشائعات تدور بكل قوتها.

مضى أسبوعان على ورود الأخبار الأولى حول اختراق طائرات إسرائيلية ليلاً للمجال الجوي السوري. وأشارت الأخبار بشكل غير واضح إلى أن تلك الطائرات قد ضربت أهدافاً ما داخل الأراضي السورية. وفقاً للتقارير المقتضبة تلك فإن الدفاع الجوي السوري قد ردّ بإطلاق النيران على الطائرات المغيرة. وفي تطور لاحق قدّمت سوريا شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة.

صمت إسرائيلي

لم تؤكد إسرائيل حتى الآن تلك الأخبار. يوم أمس الثلاثاء تجنب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز التطرق إلى خبر الغارة. حذّر بيريز من "الشائعات والتكهنات"، لكنه امتنع في الوقت نفسه عن نفي الشائعات. كرر الرئيس بيريز كلمات رئيس وزرائه أولمرت الذي سبق أن عبـّر عن استعداده لبدء محادثات سلام مع سوريا ، دون شروط مسبقة وأكد أن التوتر في العلاقات الاسرائيلية السورية قد انتهى. يعتبر البلدان في حالة حرب رسمياً منذ عام 1967، حين قامت إسرائيل باحتلال هضبة الجولان. تتلاءم العملية الأخيرة التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي مع الخطاب السياسي السائد في الشهور الأخيرة بين إسرائيل وسوريا. الدعوة للسلام من جهة، والتلويح بالعمل العسكري من جهة أخرى.

روايتان

شيء من الضوء الذي يمكن أن يزيل بعض الغموض حول ما حصل يجيء من موظفين ومحللين سياسيين أمريكيين. أكد هؤلاء أنّ هدفاً واحداً على الأقل قد أصيب في الشمال السوري. بعد ذلك تتعدد التأويلات، ويمكن ذكر روايتين تمثلان تأويلين رئيسيين.

تشير الرواية الأولى إلى علاقات بين سوريا وكوريا الشمالية. حسب تلك الرواية فإن بيونغ يانغ تسعى لمساعدة دمشق في ميدان التكنولوجيا النووية، وأن الهدف الذي ضربته الطائرات الإسرائيلية هو أجهزة تستخدم في المفاعلات النووية. تؤكد هذه الرواية أيضاً اختفاء سفينة كورية شمالية بشكل غامض كانت متوقفة في ميناء سوري. تعزز هذه القصة تصريحات كان قد أدلى بها في وقت سابق المبعوث الأمريكي السابق في الأمم المتحد "جون بولتون" الذي قال إن سوريا تخزّن بشكل سري معدات نووية لكوريا الشمالية. من جهتها تنفي كوريا الشمالية هذه الاتهامات وتؤكد التزامها بتعهداتها في وقف برنامجها النووي.

المحللون أصحاب النظرية الثانية يقولون إن الغارة الجوية الإسرائيلية استهدفت حمولة من الأسلحة تابعة لحزب الله اللبناني. ويبدو أن إسرائيل أرادت أن تبعث برسالة تحذير إلى دمشق لدفعها إلى وقف دعمها لحزب الله.

لا يجمع بين النظريتين سوى أن إسرائيل تبعث برسالة تحذير، سواء موجهة إلى كوريا الشمالية، أو سوريا، أو حزب الله. الصمت الإسرائيلي عن تفاصيل غارتها الجوية يزيد من التكهنات ويطيل من قائمة الدول التي يمكن أن تكون مقصودة برسالة التحذير، وهو ما يمنح العملية الإسرائيلية مزيداً من التأثير المعنوي. أضيفت إيران مثلاً إلى تلك القائمة. ولا تحتاج الحكومة الإسرائيلية بعد عمليتها الجوية تلك سوى أن تلوذ بالصمت وتترقب ردود الأفعال.

عرض العضلات الناجح

بغضّ النظر عن المستهدف الحقيقي من تلك الغارة، فإن إسرائيل نجحت في استعراض عضلاتها. وهو ما يمكن أن تستخدمه لصالحها لكي تذهب من موقع القوة إلى مؤتمر السلام الذي تدعو الولايات المتحدة إلى عقده في شهر نوفمبر القادم. كما يمكن لإسرائيل أن تستفيد من عرض العضلات هذا لمحو آثار حربها في لبنان العام الماضي، التي أظهرت أن الجيش الإسرائيلي ليس بالجبروت الذي يشاع عنه. التعليق الوحيد الذي جاء من الجانب الإسرائيلي يعزز هذا الاستنتاج. فقد صرح رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "يادلين" في لقاء مغلق بأن "إسرائيل قد استعادت قدرتها على الردع منذ الحرب اللبنانية، بما يؤثر على موازين القوى الإقليمية، بما في ذلك سوريا وإسرائيل."

بالنسبة لرئيس الوزراء أيهود أولمرت، الذي يتلقى الانتقادات الحادة لحربه على لبنان في العام الماضي، فإن الغارة الجوية قد رفعت من اسهمه السياسية. وفقاً لاستطلاع للرأي فإن ثلاثة أرباع الإسرائيليين يدعمون الغارة، وبيـّن الاستطلاع أيضاً أن شعبية أولمرت قد ارتفعت بنسبة عشرة بالمائة.

وسوريا؟ لقد تعرض جيشها لضربة مهينة، ولعلّ دمشق لا تأمل إلا بأن يطوي النسيان أخبار الغارة في أسرع وقت. ربما هناك عزاء واحد لسوريا: في النسخة السورية لموقع "فيس بوك" الشبابي العالمي، تصاعدت شعبية المجموعة التي تطلق على نفسها "السوريين المتأهبين لمقاومة إسرائيل"، لتصبح الأولى.