لا يليق بدولة كبرى وعريقة مثل فرنسا أن يتصرف وزير خارجيتها برنار كوشنير بهذه الطريقة الاندفاعية مع الأزمات الإقليمية والدولية وهي التي عودت العالم على لعب دور الوسيط والساعي دوماً إلى التهدئة خاصة عندما تكون هناك أزمة إقليمية كبرى، تهدد أمن العالم، وسلامته مثل الأزمة الإيرانية ـ الأميركية، فقد كان مستغرباً جداً ان يدعو كوشنير هذا إلى الاستعداد للحرب ضد إيران، في الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأميركية لا تزال لم تحسم بعد خياراتها النهائية، الأمر الذي وجه رسالة خاطئة من باريس إلى طهران! وكما هو واضح، فقد اضطرت باريس إلى التراجع واصدار بيان توضيحي في حين أن وزير الخارجية الفرنسي كوشنير أُرغم ليس فقط على التراجع، بل والاعتذار، ويبدو أن الاشخاص يلعبون أدواراً مهمة جداً، إما في تحقيق نجاحات لبلدانهم، أو حزمة من الاخفاقات، وتصف الصحف الفرنسية كوشنير أنه انتهازي من الطراز الأول، فهو كان سابقاً عضواً في الحزب الشيوعي الفرنسي، ثم انتقل إلى الحزب الاشتراكي عندما فاز هذا الأخير في الانتخابات الرئاسة، وها هو من رجالات الرئيس نيكولاي ساركوزي وقد سخرت احدى الصحف الفرنسية منه حين تساءلت عما إذا كوشنير سينضم إلى زعيم اليمين الفرنسي المتطرف جان ماري لوبان، في حال فوز هذا الأخير بالانتخابات القادمة.. والواضح ان هذه الانتهازية تؤثر سلباً على مواقف وتصريحات وزير الخارجية الفرنسي، إذ خلال أقل من 48 ساعة، انتقل من موقع الداعي إلى مهاجمة إيران إلى التأكيد وابداء الاستعداد لزيارة طهران، وفتح حوار معها!

وفي الموضوع السوري، أوقع كوشنير نفسه في مأزق لا يحسد عليه، فهو من جهة أكد استعداد باريس للانفتاح الواسع على سوريا إذا ما التزمت دمشق بالشروط الفرنسية، خاصة ما يتعلق بلبنان، وفي نفس الوقت نصب نفسه عن الأميركيين في توجيه التحذيرات إلى سوريا، الأمر الذي أوقع الموقف الفرنسي في تناقض وحرج شديدين، وأوحت هذه الطريقة، وكأن كوشنير غير مطلع على طبيعة الاتصالات الجارية بين دمشق وباريس أو أنه يجهل تماماً ان العلاقات السورية ـ الفرنسية، قد خرجت من عنق الزجاجة، بعد وصول الرئيس ساركوزي إلى قصر الإليزيه، وفي هذا كل اللوم على وزير الخارجية الفرنسي، اللهم إلا إذا كان المقصود هو إحاطة مواقف باريس بهذه الالتباسات.

مصادر
الوطن (قطر)