عرض وترجمة: عمر عدس

“يو، بلير!”، تحية وجهها جورج دبليو بوش الى توني بلير، في مدينة بطرسبورغ، أثناء انعقاد قمة الدول الثماني الكبار سنة ،2006 وتعني تلك التحية “مرحبا، بلير!”، ولكنها محملة بما هو أكثر من ذلك، وقد جعلها جفري ويتكروفت عنواناً لكتابه عن توني بلير، واعتبرها بالإضافة الى مكالمة قصيرة جرت بين الرجلين بوجود ميكروفون مفتوح بالخطأ، دليلاً على علاقة “خنوع” بين بلير وبوش.. وقد عززها برسم كاريكاتوري على غلاف الكتاب يمثل بوش، ممسكاً بأذن كلب له وجه بلير! أهم ما يأخذه الكتاب على بلير، دعمه غير المشروط لإدارة بوش، ومغامرتها الخرقاء في العراق بخاصة.

مؤلف الكتاب، صحافي وكاتب معروف، يكتب في صحيفة الجارديان والصنداي تلغراف وغيرهما.

والكتاب صادر عن دار بوليتيكوس في 154 صفحة من القطع الصغير.

يذكر المؤلف كيف أن توني بلير، رئيس وزراء الدولة الديمقراطية العريقة، بخنوعه لمشيئة جورج بوش وإدارته، كان يتصرف بأسلوب مسؤولي الدول المبتدئة. ويجري المؤلف مقارنة بين توني بلير ونوري المالكي، رئيس وزراء العراق ليوضح هذه الفكرة. ويقول، إن رئيسين للوزراء زارا واشنطن في يوليو/تموز 2006. ويصف الأول بأنه جديد، والثاني بأنه زائر مألوف جداً في واشنطن. ويقول إن زيارة المالكي جاءت بعد فوزه في الانتخابات ببضعة أشهر، وتعيينه رئيساً للوزراء، تجسيداً لنشر الديمقراطية في العراق، الذي يشكل آخر مبررات بوش لغزو هذا البلد، في مارس/آذار ،2003 بعد انهيار جميع المبررات الأخرى.

رئيس وزراء فاشل ارتضى أن يلعب دور “الذيل”

جاءت زيارة المالكي أثناء العدوان “الإسرائيلي” المدمر على لبنان، والذي أثار الانتقادات الغاضبة في معظم دول العالم، كما عزز كراهية “إسرائيل” في الدول العربية والإسلامية، وفي أثناء هذا العدوان، التقى المالكي، كما يقول المؤلف مع ساسة مختلفين في واشنطن، طلبوا منه أن يدين حزب الله ويعلن تعاطفه مع “إسرائيل”. ولكن المالكي * رفض أن يفعل ذلك، فقوبل باللوم والتأنيب، وبخاصة من قبل أعضاء الكونجرس الديمقراطيين، الذين كانوا يتسابقون كالعادة مع الجمهوريين في التأييد غير المشروط ل “إسرائيل”. فقد قالت نانسي بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، التي أصبحت ناطقة رسمية في أعقاب الانتخابات النصفية بعد بضعة شهور “إذا لم يتنصل المالكي من تعليقاته المنتقدة ل “إسرائيل” ويعلن إدانته للإرهاب، فسيكون من غير المناسب تشريفه بحضور جلسة مشتركة للكونجرس”. أما رئيس اللجنة الوطنية في الحزب الديمقراطي هوارد دين “الذي سبق ترشيحه للرئاسة”، فقد ذهب الى أبعد من ذلك، ووصف المالكي بأنه “مناهض للسامية” لامتناعه عن إدانة حزب الله. وقال دين “لسنا في حاجة الى أن ننفق 200 و300 و500 مليار دولار لكي نجلب الديمقراطية للعراق، ثم نسلمها لأناس يعتقدون أن “إسرائيل” لا تملك حق الدفاع عن نفسها”. وهكذا أوضح دين أن غزو العراق كان إحدى الممارسات في ما كان يدعى ذات مرة “السياسات الوطنية”، التي كان هدفها الأسمى تنصيب أنظمة محلية مطيعة، تميل نحو الولايات المتحدة و”إسرائيل”.

ويمضي المؤلف قائلا: إنه لم يخطر ببال أولئك الذين اقترحوا دمقرطة بلاد المالكي، والشرق الأوسط من بعدها، أنه كلما ازدادت الدول العربية ديمقراطية، ازدادت قربا من النزعة الإسلامية أو القومية، وازدادت كرهاً ل “إسرائيل” والغرب. ولم يضعوا في حسبانهم ولو مجرد احتمال، أن الانتخابات الحرة في ايران وفلسطين، يمكن ان تسفر عن نتائج لا تستسيغها واشنطن. كما أنه لم يدر في خلد “دين” أن “جلب الديمقراطية الى العراق”، سوف يسلم هذا البلد قطعياً الى حكام يعجبون بحزب الله ولا يعجبون ب “إسرائيل” وتلك هي العاطفة السائدة بين الجماهير. وقد بدا المالكي في نظر الأمريكيين شخصاً متعجرفاً جداً، لا يقول أبداً ما يحبون سماعه، حتى وإن كان بانتقاده “إسرائيل” يعبر وحسب عن آراء الذين انتخبوه. ويقول المؤلف، إن هذا هو ما يفترض أن تعنيه الديمقراطية.

ويمضي المؤلف الى الحديث عن الزائر الآخر، توني بلير في المقابل. ويقول إنه لم يكن متعجرفاً أبداً، كما لم يكن عاصياً بأية حال، ولم يظهر أي حاجة مماثلة للتعبير عن آراء ناخبيه. ففي سنته العاشرة من سنواته التي قضاها رئيساً لوزراء بريطانيا كان في غاية ما تتمناه إدارة بوش والديمقراطيون. ومنذ بدء تسلمه منصبه كان يعمل بتحالف وثيق مع واشنطن، حتى عندما يتناقض ذلك مع رغبته المفترضة في العمل بصورة أوثق مع اوروبا، أو عندما لا يلبي ذلك السياسات البريطانية القائمة، ناهيك عن الحالات التي يكون فيها ذلك مناقضاً للمصالح البريطانية بصورة واضحة، أو يتجاهل آراء الشعب البريطاني.

وكان بلير قد عقد أواصر صداقة سياسية وثيقة مع بيل كلينتون، قبل أن يحول ولاءه بذكاء نحو جورج دبليو بوش، وقد ساند باخلاص شديد غزو بوش للعراق، وسياساته في الشرق الأوسط بوجه عام، وأصبح من الكلام المكرور المبتذل، أن بلير كان خانعاً تماماً للرئيس بوش، مثل “الذيل” وكان بوش قد سئل في مؤتمر صحافي مشترك مع بلير ذات مرة، عما إذا كان هذا التشبيه ملائماً للحال، فبادر بلير قائلاً لبوش، “لا تجب عن ذلك السؤال”، ولكن بلير، كما يقول المؤلف، ضبط في صيف ،2005 وهو يجيب عن هذا السؤال بنفسه، بعيداً عن التصريحات الصحافية العلنية.

ويروي المؤلف تلك الحادثة التي اقتبس منها عنوان الكتاب. يقول: إنه قبل هذه الزيارة الى واشنطن بوقت قصير، كان بوش وبلير قد ذهبا الى سانت بطرسبورغ عندما اجتمع قادة الدول الثماني هناك. وكانا يتحدثان معاً وهما جالسان الى مائدة المؤتمر، حيث كان هنالك ميكروفون ترك مفتوحاً من دون قصد “الى أن تنبه له بلير، وسارع الى إغلاقه”. وقد أعطت المحادثة القصيرة بينهما لمحة عن علاقتهما، المرحة والموجعة في وقت واحد.

حيا بوش السئم والممتعض رئيس الوزراء بازدراء ودي، وبعامية تحمل أكثر من دلالة قائلا: “مرحبا، بلير!” (yo, Blair التي جاء منها عنوان الكتاب)، وراح يعامله وكأنه خادم مستغل، وهو الدور الذي لعبه بلير باتقان مقنع، وهو ينحني، بينما يعرض على الأمريكيين أن يساعدهم في الشرق الأوسط، بأية طريقة يشاؤون: “لا أدري عم تحدثتم أيها الرجال، ولكن، كما أقول، إني سعيد جداً بأن أحاول وأرى ما هي الظروف..”. وعندما ذكره بوش أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ذاهبة الى هناك، أضاف بلير بكلمات تكشف الكثير أيضاً، “حسناً.. إنه فقط، أعني، أنت تعرف. إذا كان لديها، أو إذا كانت تحتاج الى تهيئة الأجواء، لأن من الواضح أنها إذا خرجت، فيجب أن تنجح، بينما بوسعي أنا أن أخرج ولا أفعل سوى الكلام”.

ويعقب المؤلف على ذلك قائلا: إن ذلك يعني أن الأمريكيين هم الذين يفعلون، أما بلير فيتكلم وحسب. ويضيف: ولكن مقارنة بلير بالخادم المطيع، ليست بالمقارنة الشافية، وربما كان أبلغ منها قول الصحافية مورين دود في صحيفة “نيويورك تايمز”، إن بلير “كان يدور ويتملق مثل زوجة أسيئت معاملتها”. ويبلغ المؤلف حد الإسفاف إذ يقول: وإذا كان بلير جرو بوش فعلاً، فلا بد أن يشكل ذلك قضية لدى “الجمعية الملكية لمنع القسوة مع الحيوانات”.

ويعود المؤلف الى الحديث عن موقف بلير من العدوان “الإسرائيلي” على لبنان. فمع تصاعد “العنف” في لبنان، كما يسميه المؤلف، ثار غضب أعضاء البرلمان من حزب العمال البريطاني الذي ينتمي اليه بلير، وانتقدوا علناً إفراط “إسرائيل” في استخدام القوة، ودعوا الى وقف فوري لإطلاق النار، وأهم من ذلك، أن العدوان “الإسرائيلي” كان مرفوضاً من قبل غالبية الشعب البريطاني: ففي أحد استطلاعات الرأي، كان هنالك 22% فقط يعتقدون أن رد “إسرائيل” على حزب الله في لبنان كان مبرراً، ولكن بلير، على عكس المالكي، رفض المشاركة في هذه الانتقادات، والتعبير عن مشاعر أهل بلاده، واقتراح وقف إطلاق النار، أو الافتراق قيد أنملة عن الخط الأمريكي الذي يمنح “إسرائيل” حقاً مطلقاً في أن تلجأ الى الأسلوب الذي ترى أنه الأفضل.

ويرى المؤلف أن علاقات بلير بزملائه، وبحزب العمال بوجه عام، كانت محكومة على الدوام بأن تكون سيئة. فمنذ أن فاز بأول انتخاب له، وفي ما تلا ذلك، كان رئيس وزراء بلا حزب. ففي خريف سنة 2006 فسدت علاقته مع جوردون براون، وفي الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول قام براون بانقلاب سافر على رئيس الوزراء، حيث حرض صغار الوزراء على الاستقالة.

ويقول المؤلف: إن خطاب بلير الذي ألقاه في مؤتمر الحزب، أوحى بأنه ليس رئيس وزراء من دون حزب فحسب، بل وأنه من دون سلطة، وقد حدث كل ذلك للرجل الوحيد الذي قاد حزب العمال الى ثلاثة انتصارات حزبية متتالية، اثنان منها بأغلبية برلمانية ضخمة، وهو الذي شهدت سنواته التي تقارب العشر في رئاسة الوزراء، تركيبة غير مسبوقة، من النمو المطرد، وانخفاض التضخم والبطالة ومعدلات الفائدة.

ويمضي المؤلف قائلا: على الرغم من أن جميع المهن السياسية تؤول في النهاية الى الفشل، إلا أن فشل بلير الشخصي كان فريداً في طبيعته وحجمه. وكذلك كان حجم الازدراء الذي أثاره الآن في طول البلاد وعرضها، والذي شمل الشباب والشيوخ، والأغنياء والفقراء، واليمين واليسار. وقد مر زمن كان اليسار المتشدد فقط هو الذي يبغض بلير، بينما تؤيده الطبقات الوسطى في وسط انجلترا. وينقل المؤلف عن بروفيسور الرياضيات الثمانيني المتقاعد، السير بريان ثويتس، قوله: إن مصير بلير لا ينبغي أن يقرره مجلس الوزراء والبرلمان وحسب، بل كذلك شعب الأمة التي لحق بها العار جراء سلوكه، وبخاصة محادثته المسجلة مع الرئيس بوش في قمة الدول الثماني. لقد حط من قدر منصب رئاسة الوزراء العظيم، ولذلك ينبغي أن يرحل عنه على الفور.

ويرى المؤلف أن هذا الاستياء الشديد من بلير، في أوساط نخبة المثقفين، كان يغلي بهدوء قبل هذا الوقت بفترة طويلة، وأن سياسة بلير الخارجية المدمرة أو تخليه عن السياسة الخارجية هي التي تفسر أكثر من أي شيء آخر لماذا يرحل عن منصبه مصحوباً بهذا القدر الكبير من الازدراء، وبخاصة من جانب أولئك الذين لهم باع طويل في مجال السياسة الدولية. ففي ربيع ،2004 أثار خنوع بلير لواشنطن ودعمه الذي لا يتزعزع لإدارة بوش في الشرق الأوسط، أمراً لم يشاهد من قبل أبداً، وهو الاحتجاج العلني من قبل عشرات من السفراء البريطانيين المتقاعدين.

ولم تكن مناسبة الاحتجاج، كما يقول المؤلف، هي حرب العراق رغم ثبوت أنها كارثة، وانكشاف زيف أسبابها ومبرراتها بقدر ما كانت زيارة أخرى قام بها بلير الى واشنطن، حيث تلقى فيها إهانة سافرة. كان بوش وارييل شارون، رئيس وزراء “إسرائيل” عندئذ قد عقدا صفقة تتعارض مع السياسة البريطانية، وقدماها الى بلير كأمر واقع، حيث ما عليه إلا أن يقول إنها توفر أملاً للتقدم. وكما كتب أولئك الدبلوماسيون المخضرمون الذين توقعوا ما سيحدث سلفاً: “إن القادم هو الأسوأ، فبعد كل تلك الشهور المهدورة، طلع ارييل شارون والرئيس بوش على المجتمع الدولي بسياسات جديدة أحادية الجانب وغير قانونية وسوف تكلف “الإسرائيليين” والفلسطينيين إراقة المزيد من الدماء”.

خداع الرأي العام

يتحدث المؤلف عن حرب العراق، وكيف أن بلير اتخذ قرار المشاركة فيها انصياعاً لرغبة بوش، وخلافاً للرأي السائد في بريطانيا. ويقول المؤلف إن حرب العراق كانت مرفوضة من قبل كل سفير في وزارة الخارجية وكل جنرال في الجيش البريطاني.

وينقل كمثال على ذلك، قول السير رودريك بريثويت، وهو سفير بريطاني سابق لدى موسكو، ورئيس لجنة الاستخبارات المشتركة: “إن مسؤولية بلير الأساسية هي الدفاع عن مصالح بلاده. وقد فشل في ذلك فشلاً ذريعاً. وكان صلباً في آرائه، ولكنه على خطأ في غالب الأحيان، وقد خدع الرأي العام، وأرسل جنودنا الى مناطق نائية لأغراض غير مدروسة، وأساء استخدام أجهزة الاستخبارات لخدمة غاياته، وأهمل وزارة الخارجية حتى غدت لا شيء، لأنها ظلت تذكره بالحقائق التي لا تروق له، وقد الحق بلير بالمصالح البريطانية في الشرق الأوسط، من الأذى أكثر مما ألحقه بها انتوني ايدن الذي قاد المملكة المتحدة الى كارثة حرب السويس قبل 50 سنة”.

ويقارن المؤلف أيضاً بين كل من لويد جورج وايدن من جهة وتوني بلير من جهة أخرى، فيقول: إن هذين كانا يمارسان سياسات يعتقدان أنها تخدم مصلحة بلدهما، ولكن ما حطم بلير أنه كان يسعى الى تحقيق مصالح بلد آخر، ولم يكن يقود، بل كان منقاداً، والنتيجة الرهيبة التي أسفرت عنها سنوات حكمه أسوأ مما نعتقد، كما يقول المؤلف، فقد كفت بريطانيا عن أن تكون دولة مستقلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• ملاحظة : يحاول مؤلف الكتاب " تجميل " وجه المالكي، ببضعة مساحيق زائفة ! فالموقف النقدي ولن أقول "المعادي" من الكيان الصهيوني، لايمكن أن يكون منسجماً أو ناتجاً من رئيس حكومة "المنطقة السوداء" في بغداد المحتلة، الذي نصبه الغزاة على رأس " مؤسسات " أوجدوها بالحديد والنار. إن هذه الهياكل " المؤسسات " هي التي ساعدت على استباحة العراق، وفتحت أبوابة لعشرات الآلاف من الصهاينة ( عصابات الموساد، والمكاتب التجارية لشركات النهب والتدمير المنظم ) ناهيك عن مئات الآلاف من المرتزقة ( جيوش احتلال ، عصابات " المتعاقدين " أمثال القتلة في " بلاك ووتر " ) .