لا يذكرنا السيناريو الإعلامي اليوم بشأن سورية بما حدث في العراق، فهو رغم عدم اختلافه، أو محاولته تهيأة الرأي العام داخل "الدولة العبرية" وخارجها للاحتمال الأسوء، لكنه يرتبط بمسألة "التوتر" كمصطلح يعيدنا إلى مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي... ومهما كانت التكهنات حول احتمال توجيه ضربة لسورية، لكن اللافت أن الجبهة التقليدية "الجولان" هي الأكثر حضورا في التقارير الإعلامية.

وعلى الرغم من أن العناوين العريضة لهذه المرحلة تحمل طابع "الأزمة الدولية" كونها تربط "التوتر" بقضايا "وريا الشمالية" أحيانا و "الطموحات" النووية الإيرانية، لكنها في النهاية تعود إلى مساحة "المعركة التقليدية" في الجولان، مسترجعة طبيعة الصراع الذي امتد على مدى أكثر من نصف قرن، وطرح رغم كل محاولات "التسوية" حيوية مرتبطة أساسا بجذر الصراع، فالخوف "الإسرائيلي" المفتعل كان مضطرا لاستخدام الحالة التاريخية بين سورية و "الدولة العبرية"، وربما اسقاط كل "التنظير" بشأن السلام لصالح المعادلة الإقليمية القديمة التي بُنيت أساسا مع احتمالات الحرب بالدرجة الأولى نتيجة ظهور "إسرائيل".

ربما يكون الهدف الذي استهدفه العدوان الإسرائيلي كبيرا أو صغيرا، وهو امر لا يلغي أن المشهد السوري اليوم يطل على "الاحتمالات القديمة" في الحرب، وذلك بغض النظر عن السيناريو الذي يتم الحديث عنه، أو عن بعض التحليلات العربية التي تريد "مزيدا من الشفافية"، فالمسألة كما تبدو بعيدة تماما عن الحسابات الناشئة في مرحلة ما بعد مؤتمر جنيف، لأنها ترسم آفاقا صراع متعدد المحاور مع "الدولة العبرية".

عمليا فإن كافة التوترات التي تلت حرب تشرين وأدت لاندلاع نزاعات كانت ذات طبيعة مرتبطة بتشكيلات أو "فصائل" عسكرية، وحتى عندما ظهر تماس مباشر بين القوات السورية و "الإسرائيلية" في لبنان عام 1982، لم يكن يحمل طبيعة اشتباك بين دولتين، حيث تم الاحتفاظ بمسافة فاصلة ولم تدخل دمشق كمفاوض أساسي بعد حصار بيروت رغم تواجد قواتها فيها. وما يظهر اليوم هو أقرب للحروب التي سادت قبل حرب تشرين، فالتوتر العسكري الذي تبديه "الدولة العبرية" مرتبط مع دمشق بشكل مباشر.

بالطبع فبالإمكان ربط كافة التطورات على محور استراتيجي يبدأ ببغداد وربما ينتهي بغزة، لكن طبول الحرب التي يقرعها الإعلام العبري، هي في النهاية صورة مكررة وربما عودة إلى المحور الطبيعي للصراع رغم كافة محاولات التسوية، والحرب الإعلامية بدأت بشكل فعلي بعد الاعتداء الإسرائيلي، لأن هذا الاعتداء كشف عن الاخفاق الاستراتيجي لعملية السلام، وعن إمكانية تصاعد التوتر نتيجة الظروف التي تحكم "الوجود الإسرائيلي" بذاته.