تعطيك مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد هذه الأيام انطباعاً بأنك أمام شخص أكثر استرخاء وثقة بالنفس، وقد يضيف بعض المراقبين السوريين إلى ذلك أنه أصبح متخذ قرارات أكثر نضجاً من ذلك الرجل الذي تسلم مقاليد السلطة عقب وفاة والده قبل سبع سنوات.

لا يعود ذلك في جله إلى "إعادة انتخابه" في استفتاء هذا الصيف، والذي لم تكن نتائجه موضع شك، بقدر ما يعود إلى حقيقة أن الأسد ممسك بزمام نظامه كما هو واضح كل الوضوح –حتى ولو أن ذلك النظام ربما لا يكون تحت السيطرة الكاملة في كل أنحاء البلاد بالتساوي. لكن الرئيس الأسد يتخذ قراراته من دون حرس قديم أو منافسين خطرين يقفون في طريقه.

تظل سورية بلداً متشابكاً ومعقداً وليس "بلداً مارقاً" ببساطة. وحتى لو أن المحكمة الدولية أثبتت أن أعضاء من النخبة الحاكمة وبعض أصدقائهم في لبنان كانوا مسؤولين عن مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وحوادث قتل سياسي أخرى، فإن السياسة لن تصل إلى نهاية، ذلك أن سورية تظل مفتاحاً أساسياً في أي محاولة جادة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

في بعض الأوجه، تلعب سورية مسبقاً دوراً إيجابياً في المنطقة، حيث تستضيف اليوم ما لا يقل عن 1.2 مليون مهاجر عراقي. وحتى لو أنها قررت وضع قيود على دخول العراقيين، فإنها ظلت حتى الآن البلد الوحيد الذي أبقى على أبوابه مفتوحة أمام أولئك الذين يفرون من العنف والفوضى السائدين في العراق.

يحظى العراقيون الذين يصلون إلى سورية بفرصة للالتحاق بالنظام التعليمي والنظام الصحي المثقلين أصلاً بالأعباء. فبالتناسب مع عدد سكان سورية، يشكل المهاجرون البالغ عددهم 1.2 مليون شخص في سورية ما يوازي 6 ملايين في ألمانيا، وأكثر من 20 مليوناً في الولايات المتحدة. وثمة القليل من العجب إزاء شكوى السوريين المتزايدة من أن عليهم أن يدفعوا مقداراً هائلاً من كلفة تجربة الولايات المتحدة ومغامرتها في جوارها والتي لم تجر كما ينبغي.

إن مصلحة سورية الرئيسية فيما يتعلق بالمنطقة تخص إسرائيل وآفاق استعادة مرتفعات الجولان. أما وأنني قد تعقبت الشؤون السورية لما يقارب 20 عاماً، وبعد مناقشات خضتها أخيراً مع أعلى صناع القرار مرتبة في دمشق، فإنني أعتقد بأن الأسد ونظامه سوف يتشبثون بأي فرصة لإقامة تسوية سلمية مع إسرائيل في حال وجودها.

إنهم يريدون تسوية، ليست ناجمة عن أي بواعث سلبية، وإنما عن إدراك متنور للمصلحة الذاتية. إذ يعرف الأسد جيداً أنه سوف يعطي دفعة كبيرة لشرعيته في الوطن في حال استطاع استعادة منطقة من الوطن كان والده قد فقدها قبل 40 عاماً. كما أن التوصل إلى تسوية سلمية مع إسرائيل ربما سيعيده إلى الانسجام مع شركاء سورية التقليديين الأكثر أساسية في منطقة الشرق الأوسط؛ مصر والعربية السعودية. ومن شأن السلام مع إسرائيل أيضاً أن يحسن من علاقات سورية مع الولايات المتحدة، وربما يجعل من المنطقة مكاناً أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب الذين يظلون الآن قلقين إزاء التوترات القائمة فيها.

إن اجتذاب رساميل أكثر، عربية وآسيوية وأوروبية، بل وحتى أميركية، يظل بوضوح جزءاً مهماً من رؤية الأسد لمستقبل بلاده؛ ليس الدمقرطة، وإنما مشروع تحديث وتمدين.

تبدو سورية خائفة أيضاً من أن تترك وراء في حال صنعت إسرائيل سلاماً مع الفلسطينيين وحلت مشكلاتها المتبقية مع لبنان. وربما يكون السوريون محقين بافتراض أن هناك اهتماماً دولياً أقل سينشأ إزاء حل مشكلة الجولان في حال تحقق مثل ذلك الوضع المذكور.

لقد كانت هناك دائماً أصوات في إسرائيل، والتي تصر على أن سورية ليست مهتمة جدياً فيما قد ينجم عن عقد مفاوضات، وإنما في العملية بذاتها فحسب. لكن إسرائيل ستكتشف حقيقة ذلك من عدمها فقط في حال قامت بالمحاولة. لكن الشيء الأكيد الآن هو أن سورية تسعى إلى تجنب أي مواجهة يمكن أن تجهض فرص تجديد العملية التفاوضية.

أيا كان الشيء الذي ضربته المقاتلات الإسرائيلية في وقت أبكر من هذا الشهر في شمال سوريا، فقد اختارت سورية أن ترد فقط من خلال الاحتجاجات الدبلوماسية. وينبغي على الإسرائيليين أن يكونوا مدركين بدورهم لحقيقة أن السوريين، وحتى العناصر الليبرالية المنتقدة للنظام، يتقاسمون نفس الشكوك فيما يتعلق بالنوايا الإسرائيلية.

إن الشيء الذي وجدته مثيراً للاهتمام بشكل خاص خلال مناقشاتي الأخيرة في سورية هو أنه، وعلى النقيض من الوضع الذي كان قائماً خلال السنتين الأخيرتين، فإن القيادة السورية اليوم تنطوي على فكرة متماسكة جداً إزاء الكيفية التي يمكن وفقها إعادة العملية التفاوضية إلى المسار، حيث الصعوبات تظل قائمة، وحيث يحتمل حدوث حراك. ولا شك في أنهم قد اجروا مراجعة لتجربة المفاوضات السابقة، وهو شيء لم يكونوا ليفعلوه لو لم يكونوا مهتمين بالتوصل إلى حصيلة مختلفة.

إذا كانت القوى الأجنبية مهتمة فعلاً بالتوصل إلى سلام إقليمي شامل وتحويل سورية إلى لعب دور بناء أكثر في المنطقة، فإن عليها اغتنام الفرصة التي تقدمها التوجهات السورية الداخلية.

يعني ذلك حسياً أن على إدارة بوش دعوة سورية إلى مؤتمر السلام المزمع حول الشرق الوسط في تشرين الثاني-نوفمبر القادم. وحتى لو كان موضع تركيز هذا المؤتمر هو الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإن ضم سورية سوف يشير إلى أن تسوية على كامل المسارات ينبغي إنجازها في نهاية المطاف، وسوف يشكل اعترافاً بدور سورية بوصفها صاحبة حصة مشروعة في التسوية الإقليمية، على الأقل على قدم المساواة مع مصر والسعودية.

إن على الأوروبيين أيضاً أن يستمروا بتفعيل الجهود الدبلوماسية الهادئة لتضييق الفجوات في الفهم بين القدس ودمشق، كما عليهم أن يساعدوا سورية بالاستعداد للانخراط في بيئة إقليمية ذات حدود مفتوحة، وتبادلات اقتصادية واجتماعية ومنافسة والتي سوف تشمل إسرائيل.

كانت المفاوضات من أجل إبرام اتفاقية شراكة بين الاتحاد الأوروبي وسورية قد انتهت قبل ثلاث سنوات. ولو كان قد جرى تطبيقها، لكانت قد أعطت دفعة للإصلاحات الاقتصادية في سورية، ولكانت قد ساعدت أيضاً في مأسسة حوار حول السياسات وحقوق الإنسان مع دمشق.

بدلاً من الاستمرار في تجميد ذلك الاتفاق، ينبغي على الاتحاد الأوروبي الشروع في عملية التفعيل، بحيث يستفيد عند ذاك من أداة صممت لإحداث التأثير على سورية، وليس لمكافأتها. مثل هذا الاتفاقيات لم تقصد حتماً لتكون أدوارا لتغيير الأنظمة، لكنها يمكن أن تساعد في إرساء أسس تغيير تدريجي، وبالتالي أكثر قابلية للديمومة في المجالات الاجتماعيةالاقتصادية، والاجتماعية السياسية.