هي حرب معلنة من مخيم عين الماء وأي مخيّم في الضفّة، إلي مخيم البريج أو غيره من مخيمات قطاع غزة.
لا أصدقاء لدبابات وجرّافات الاحتلال، فهي وجدت لتحتل أرض الفلسطينيين، وتدمّر بيوتهم، ولتقتلهم بالرصاص، أو دهسا كما فعلت مع الفتي محمود كايد ابن الثانية عشرة الذي مزّقت جسده أنياب جرّافة في مخيّم البريج.
الحرب معلنة عسكريا وسياسيا، أمريكيا وصهيونيا، بلسان كوندوليزا أو بقرار مجلس وزراء العدو المصغر: غزة كيان معاد، وحماس عدو لأمريكا.
أهي حرب علي القطاع بعد أن وضعت حماس يدها عليه ـ تعبير ملطف مني ـ بهدف الاستفراد به، فتورّطت وورّطتنا، أم تراها حرب علي الفلسطينيين جميعهم، وقد دفعت بهم قياداتهم المتصارعة علي السلطة إلي العراء، فصاروا هدفا سهلا لنيران العدو التي تستهدف تصفيتهم شعبا وقضية؟!
غزة عدو! لاغرابة في الأمر، ولكن مخيم عين الماء جار نابلس عدو، وخلية للشعبيّة في مخيّم عين الماء عدوّة كخليّة للجهاد أو حماس أو كتائب الأقصي في غزة، أو في مخيم جنين، لا فرق بين خليّة في رام الله أو في رفح، فكّل الخلايا الفلسطينيّة عدوّة.. فالعدو يريد الفلسطينيين جسدا بلا خلايا، جسدا بدون خلية واحدة، جسدا رخويا، ساكنا، بلا حركة ولا حياة، ليدفن بصمت، بدون عواقب، بقفازات أنيقة تخفي مخالب الدكتورة كوندوليزا التي توزع ابتساماتها مع بطاقات الدعوة لدخول الفلسطينيين غرفة العمليات في المؤتمر المزمع عقده، مؤتمر رشوة العرب، وجرّهم للتطبيع رسميّاً، ووضعهم في خندق العدوان علي سوريّة وإيران ولبنان.
ديبلوماسية استدراجية لجزء من الفلسطينيين بوعود شيطانية مجربة، ففلسطينيو رام الله معتدلون، وفلسطينيو غزة أشقياء كارهون لأمريكا، لذا حق عليهم العقاب والنبذ واللعنة!.. والطرفان خاسران، فلا فائز منهما.
مخيم عين الماء يحتل لثلاثة أيام رغم وجود كوندوليزا في المنطقة، بما فيها رام الله، وتوزيعها لابتساماتها في المؤتمر الصحافي مع رئيس السلطة، وتقريظ اعتدال سلطة رام الله.
رايس اختتمت مؤتمرها الصحافي في رام الله ضاحكة، ربما من السذاجة الفلسطينية، فاركة راحتيها، مرددة :
every thing is ok
ما هو الأوكي ؟!
إنها تريد حشر القطاع، وجلب رام الله المعتدلة إلي مؤتمر يشارك فيه طرف فلسطيني، ويستثني طرف، يعني تكريس تقسيم الفلسطينيين وإضعافهم فوق الضعف الذي تسببّت به قياداتهم مجتمعةً ومجزّأة.
حماس المحشورة في غزة قادرة ببراعة أن تخرج نفسها، والشعب الفلسطيني في غزة والضفة، من هذا المأزق، وتفويت الفرصة علي من يكيدون للشعب الفلسطيني..إن أرادت!.
قبل فوات الأوان، كمواطن فلسطيني، ينظر إلي قضيته ومصير شعبه بعيدا عن ضيق أفق الفصائل والقيادات والعصبيات التنظيمية، أقترح أن تتخذ حماس الخطوات التالية:
أولاً : تبادر بالدعوة إلي لقاء للقيادات الفلسطينية في القطاع، وتضع المكاتب الخاصة بالسلطة، تحديدا المقرات الرئاسية، تحت أمرتها، وإعادة أجهزة إذاعة الجبهة الشعبيّة التي صودرت أثناء معركة هيمنتها بالقوّة علي قطاع غزّة.. هنا أسأل: لماذا إذاعة الجبهة مصادرة حتي اليوم، هل كانت ناطقةً بلسان الأجهزة الأمنيّة؟! التفسير الواضح هو أن حماس لا تريد لأي صوت أن يعبّر عن توجهات مختلفة، رغبة بالتفرّد في القرار!
ثانيا: تفعيل دور فتح، لا سيما وان عددا من قياداتها وكوادرها المحترمة موجودة في القطاع، وأن يكون أبناء فتح آمنين في بيوتهم ومكاتبهم، أحرارا في نشاطاتهم التنظيميّة.
ثالثا: البدء جديا بتشكيل قيادة وطنية تضّم ممثلين من كافة الفصائل، والقوي، والشخصيات الوطنيّة والاجتماعيّة، لمجابهة التحديات سواء المحيقة بقطاع غزة عسكريا، أو السياسية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
رابعا : التوجه للحوار الوطني فلسطينيا، بعد هده الخطوات، اعتمادا علي لجنة العمل الوطني في القطاع، وإبداء الحرص الجدّي علي وحدة الصف للخروج من المأزق الانتحاري الذي يجد شعبنا أن المتصارعين قد أدخلوه فيه، وملأوا نفوس أبنائه وبناته بالحسرة والأسي، والشعور بالخسارة وضياع الأمل.
وماذا عن الشهداء الذين قتلوا غيلةً وغدرا، والجرحي الذين باتوا معوقين، والذين فجع ذووهم بما لحق بهم ظلما وعدوانا؟!
لا بدّ من حصر أسمائهم، وإصاباتهم، وتحمّل مسؤولية قتلهم، وجرحهم، ماديّا وأخلاقيّا، فهذا سيكون مقدمة لمصالحة مع كل من نكبوا، رغم أنه لا شيء يعوّض دماءهم وفقدهم.
في حديث نبوي شريف : الدين النصيحة، وأنا أنصح لأنني أري أن ترك رام الله ضعيفة أمام أولمرت وإدارة بوش ممثلة بكوندوليزا، سيعني الفتك بغزة ورام الله سياسيا وعسكريا، في حين يركب الطرفان رأسيهما، ويراهنان علي أعداء شعبهما، أو علي ما لا يأتي من الدول الشقيقة!.
بدلاً من الاتصالات الهاتفيّة ببعض قادة الدول العربيّة، ورؤساء أجهزة أمنية، لتوسيطهم، يمكن اختصار الطريق، والتوجّه مباشرة فلسطينيّا.
ربما يخطر ببال أحدهم أن يسألني: ولماذا لا توجه النصح للسلطة؟!
السائل كائنا من كان معه حق، ولكنني أري أن جماعة السلطة وجدوها فرصة للتحرر من قيود وضعها علي تحركاتهم فوز حماس بأكثرية التشريعي.
يمكن لحماس أن (ترمّم) شعبيتها، وتعود إلي أحضان شعبها، بخطوات سياسية تسهم في إعادة بناء عناصر القوة الفلسطينية، وأنا واثق أنها ستجد في فتح تحديدا، وفي الساحة الفلسطينية قوي سياسية حريصة علي لمّ الصف، شريطة أن تخطو هي الخطوات الأولي، وهذا أكرم وأجدي وأكثر وطنيةً من انتظار وساطة عربيّة رسميّة من جهات لم تعد معنيّة بالقضيّة الفلسطينيّة، ولا بفّك الحصار عن الشعب الفلسطيني، فأمريكا تريد توجيه جهود هذه الأنظمة لخدمتها في معركتها التي تلوح نذرها في الأفق، فاستيقظوا، واتقوا الله!

أنت مع من؟!

اتصل بي مفكر عربي مرموق، في وقت متأخر من الليل، وسألني بصوت عميق الحزن، بدون مقدمات، وهو بالعادة يبدأ مكالماته بشيء من المرح:
ـ أنا حزين، وألمي لا يوصف. أسألك فقط سؤالاً سريعا،أجبني عليه بصراحة: أنت مع رام الله أم مع غزّة؟
ـ أنا مع فلسطين يا صديقي...
كان هذا هو جوابي السريع المقتضب.
جاءني صوته بعيدا حزينا :
ـ الحمد لله... هذا هو الموقف الذي أردت أن أسمعه، إنه الموقف الذي لا يقبل غيره من أي كاتب فلسطيني...
تردّي حالنا ينشر الإحباط في نفوس ملايين العرب، وأخشي أن يدهمنا العدو فيستفرد بغزّة عسكريا، و..يهرس رام الله سياسيّا، ثمّ نخرج من المعركة أشلاءً، والسبب، قيادات مكابرة، قصيرة النظر، كل طرف منها يدّعي أنه معصوم، منقذ، وأنه الشرعي الوحيد.. لذا أنصح قبل فوات الأوان، فهل من ينتصح؟!
ولأنني مع فلسطين الأكبر من رام الله وغزّة، فإنني أنصح، وأحذر قبل فوات الأوان، ولات ساعة مندم!