تطورات مريبة جدا شهدتها أجواء الشام طيلة أيام الأسبوعين الماضيين، وإذا ما كانت مشاهد المناورات العسكرية الإسرئيلية في الجولان المحتل هي الأهم، فإن ما شهدته السياسة كان الأكثر أهمية ومثير للاهتمام على قدر ما كان مثيرا للشك، فأميركا «تسرّب» معلومات تؤكد أنها ستدعو سوريا إلى مؤتمر الخريف بعدما اتبعت سياسة عزلها، وزعماء إسرائيل قالوا انهم في حالة استرخاء عسكري وليس في بالهم أو حتى في بال الشام القيام بأي عمل عسكري، وحتى بنيامين نتانياهو الذي تزعم الليكود مؤخرا يصرح بأنه لن تكون هناك أي حرب مع سوريا الآن،ويعزز ايهود باراك وزير الدفاع العمالي ذلك بالقول إن مناورات الجولان لا تعني أي رسالة عسكرية لسوريا، وبعد تهيئة كل تلك الأجواء المطمئنة تأتي غارة إسرائيلية على سوريا، ثم تقول تل أبيب إنها في حالة حرب مع سوريا!

وبين كل هذا تنكشف معلومات من الأهمية بمكان تقول إن واشنطن كانت على دراية تامة بالغارة الإسرائيلية على سوريا، ولعل البيت الأبيض كان يعلم تماما بأن معلومات مثل هذه لن ينجح إخفاؤها إلى الأبد فسارع قبل كشف «المستور» إلى بث تصريحات مطمئنة أيضا اتجاه دمشق من خلال الإعلان عن رغبة السيد بوش بدعوتها إلى مؤتمر السلام.!

هذا كله، ورغم طلاسمه وصعوبة استيعابه على البعض، إلا أنه ساهم، ومن غير أن يشعر مخططوه، في كشف الحقيقة التي أصبحت ماثلة ولا تحتاج ضربا بـ «الودع» لكشفها، فإسرائيل أصبحت بحاجة ماسة إلى السلام مع سوريا، وأميركا تقدر هذه الحاجة بعد أن حط عدوان الصيف على لبنان أوزاره من جانب، وفلت «عقال» غزة من جانب آخر وبات شريكا السلام سواء منهما المعلن في فلسطين عبر رئاسة السلطة الفلسطينية، أو المستتر في بيروت في مأزق حقيقي يوجب أن تذعن سوريا إلى السلام بمعاييره الإسرائيلية المغطاة بالدعم الأميركي، ومن هنا جاءت رسالة سلمية من باب، ورسالة حربية من باب آخر لتقول كل من تل أبيب وواشنطن لدمشق بأن لا خيار أمامها الا الدخول إلى«لعبة» السلام سواء من بوابة الحرب أو من بوابة المفاوضات وبدون شروطها المعروفة بأن تبدأ المفاوضات من حيث انتهت أيام مؤتمر مدريد في عام 1991 والتي على رأسها الاعتراف الإسرائيلي بحق الشام في الجولان والانسحاب منها كأرض محتلة.

دمشق تريد السلام من بوابة السلام، لكنها لن تتردد بالدخول إليه من بوابة الحرب إذا ما فرضت عليها لأنها صاحبة حق.

مصادر
الدستور (الأردن)