يبدو ان العملية الإعلامية "Media Process" وصلت ذروتها مع رواية مراسل يديعوت أحرنوت حول "زيارته" لموقع الاعتداء السوري، ورغم ان القصة أشبه بأفلام هوليود، لكنها في المقابل تشكل نوعا من "الكشف" الإعلامي وذلك بغض النظر عن أي دلالات أمنية أرادت الصحيفة إصالها لكل دول المنطقة. فالتقارير عن "كوماندوس عسكري" يتبعه "كومندوس إعلامي" يحاول خطف الأبصار بطريقة وصول الصحفي إلى الأراضي السورية وذلك بغض النظر عن الحقائق التي نقلها.

رواية يديعوت أحرنوت تحمل في داخليها ثلاث مؤشرات أساسية:

 الأولى هي تجاوز كل القصص الأخبارية التي على ما يبدو "تساقطت" بالقدم، فهناك "سبق" صحفي، وبالتالي فإن الأنظار ستتجه اليوم إلى ما تقدمه الرواية كـ"حقائق" لأن مراسلها زار "أرض الحدث".

 الثاني هي اختراق وسائل الإعلام العالمية عبر "غرابة" القصة التي تم نقلها، وربما ليس مفيدا إعلاميا اليوم السؤال عن حقيقة ما حدث، وهل زار هذا المراسل الأراضي السوري أم لا، لأننا امام نتيجة نشر تحقيقه وتداوله عبر كافة وسائل الإعلام، فهو نقل العملية الإعلامية إلى نقطة جديدة فيها أسئلة مختلفة عن سابق.

 الثالث هي طبيعة الرواية التي نقلها عن "شهود عيان" ... وربما الغريب أن إحدى النشرات السورية الإلكرونية قامت بعمل مشابه ونقلت رواية لا تختلف كثيرا عما قام به مراسل يديعوت (مع افتراض انه قام بهذا الأمر فعلا).. فشهود العيان هنا لا يملكون أسماء، والرواية تتحدث عن أصوات طائرات يتم ربطها فورا بالغارة. فالقصة بكاملها ليست مهمة إنما المهم هو العملية التي قامت بها الصحيفة عبر عملية النشر فقط.

بعد رواية يديعوت أحرانوت فإننا أمام مساحة جديدة من الأسئلة لا علاقة لها بالغارة، بل بالصورة العام للمنطقة، وهي تنبه إلى المسار الإقليمي الحرج، لأنه منذ أيام نشرت جريدة الأخبار عن اعتقال صحفي إسرائيلي في مطار بيروت، وهذا الأمر يدل على أن حركة الإعلام في "الدولة العبرية" تتحرك باتجاهات "اختراق" الحدث السياسي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجغرافية العراقية مفتوحة بشكل واسع أمام هذه الاحتمالات. فما حدث يمكن فصله عن عمل أجهزة "الموساد" من ناحية تقنية فقط، لأنه يعبر عن آلية إعلامية تسعى لخلق سلسلة روائية لحدث واحد.

الغموض السياسي لا يكفي لتفسير سلسلة الروايات المتلاحقة، فهو عامل فقط في هذا الموضوع، فما يحدث من تتابع الدرامي أو تركيز لم يصل إلى أي حقيقة حتى عندما يدعي مراسل يديعوت انه زار "موقع الحدث"، فهو زاد الغموض، لكنه حقق غرض "المكانيزما" الإعلامية في خلق نقلة باتجاه جديد للتفكير بما حدث.