لاشك بأن العملية الجوية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت اختراق الأجواء السورية تعتبر تطوراً خطيراً في المنطقة، وتصعيداً إسرائيلياً متواقتاً مع لحظات سياسية حاسمة في الشرق الأوسط، حيث تشابك الملفات وازدياد حجم تعقيداتها من لبنان إلى فلسطين والعراق.

واستمرار لغة ومفردات التحريض الإسرائيلية الأميركية على سوريا على المستويين الإقليمي والدولي، بعد فشل سياسة المقايضة الأميركية التي حاولت واشنطن تمريرها مع سوريا عبر الموضوع العراقي (مقايضة رفع الحصار والإغراء الاقتصادي مقابل التعاون الأمني الملموس في العراق) والملف الفلسطيني (إبعاد القوى الفلسطينية مقابل التخفيف من الضغط السياسي) والمسألة اللبنانية (الابتعاد عن حزب الله وإيران مقابل سلة إغراءات).

وبطبيعة الحال، فالمرء لا يحتاج إلى أن يكون خبيراً استراتيجياً حتى يكتشف خطورة الاختراق الإسرائيلي للأجواء السورية، فوقوعه في اللحظة السياسية الراهنة مع الاستعدادات الأميركية المتسارعة لعقد المؤتمر الإقليمي يشير بحد ذاته إلى مقدار خطورته، عدا عن انتقاله جغرافياً من خط المواجهة على جبهة الجولان وجنوب لبنان نحو العمق السوري، فالاختراق الإسرائيلي الجديد تم للأجواء السورية مقترباً من المنطقة الحساسة في مربع الحدود السورية العراقية الإيرانية.

وما يلفت الانتباه أيضاً، أن الخرق الإسرائيلي المكشوف جرى وتم مع صمت أميركي كامل، ودون أن يثير أي ردود فعل تذكر، بالرغم من الحديث الأميركي عن ضرورة إنجاح الخطوات والمساعي للوصول إلى المؤتمر الإقليمي العتيد الذي دعا إليه الرئيس جورج بوش من دون دعوة سوريا منذ البداية وهي التي تعتبر طرفاً رئيسياً في تقرير مصير كل عملية التسوية في المنطقة.

فالفعل الإسرائيلي الأخير آتى بمثابة عامل تأكيد على التوافق الأميركي الإسرائيلي تجاه سوريا.

وعليه، فالاختراق الإسرائيلي يلخص عدة أهداف مركبة في آن واحد، ويأتي في سياق سياسة التسخين الإسرائيلية المتبعة بين فترة وفترة،

وفي سياق حملات التهويل والتهويش الإسرائيلية الأميركية المرسومة والمهدفة مسبقاً والتي تتحدث عن تعاظم التسلح العسكري السوري خصوصاً بشأن السلاح المتعلق بتطوير أنظمة الدفاع الجوي والعتاد الصاروخي.

وكررت مصادر الإسرائيلية أكثر من مرة بأن موسكو تزود سوريا بمنظومة الدفاع الجوي الصاروخية المتوسطة المدى «بوك ـ إم2». وصفقات أسلحة دفاع جوّي من المدى القريب مثل «ستريليتس» (السهم) و«بانتسير» (الدرع) ومن المدى المتوسط «بوك».

كما يأتي الاختراق الإسرائيلي الجديد لأجواء شمال شرق سوريا ليشكل بالون اختبار جديدا لتحقيق عدة أهداف مرة واحدة، الهدف الأول يتمثل في سعي إيهود أولمرت لإشباع غرائز تيارات اليمين الصهيوني

وحتى تلاوين «اليسار الصهيوني» الذين باتوا أيضاً منضوين في جوقة تيارات اليمين الفاشي الذين يصرخوا الآن صباحاً مساء في إثارة المخاوف الإسرائيلية وفي التحريض على ضرورة قيام إسرائيل بخطوات عسكرية لمواجهة ما أسماه بعضهم «البعبع السوري الآتي من الشمال الشرقي» على يد «نظام عقائدي اتخذ من قضية فلسطين مرتكزاً لسياساته الخارجية والعربية».

وفي هذا السياق يعمل إيهود أولمرت على استعراض سياسته المعروفة التي ورثها من سلفه ومعلمه ومرشده الجنرال أرئيل شارون والواقعة تحت عنوان «العصا والجزرة «فاستعراضه الواضح والمكشوف للعضلات،

وتحديداً للذراع الجوي الذي تعتبره إسرائيل يدها الطولى على دائرة قطرها (1000) كيلومتر يعطيه دفقاً من التأييد والحضور في الأوساط الإسرائيلية التي أمست تجنح نحو اليمين المتطرف أكثر فأكثر، كما هي محاولة لترويع وإخافة دمشق في ظل الحديث عن احتمالات الحرب واللاحرب على الجبهة السورية الإسرائيلية.

ومن الناحية العسكرية التكتيكية، يندرج الاختراق الإسرائيلي للأجواء السورية في سياقات «جس النبض «أو بتعبير آخر كبالون اختبار عسكري بامتياز في سياق السعي الإسرائيلي لكشف مدى قدرات الدفاعات الجوية السورية وتلمس دقتها واستعداداتها على ضوء تواتر الحديث المتعلق بتطوير سوريا لأنظمة دفاعها الجوي.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)