لم يتوقف الإعلام الإسرائيلي طوال الأسبوعين الماضيين عن التعليق على موضوع الغارة الإسرائيلية على سوريا ، تلك التي استهدفت منشأة عسكرية في منطقة دير الزور قرب الحدود السورية التركية ، فيما كان الجدل حول موضوع العلاقة مع سوريا قد تواصل منذ شهور في الأروقة السياسية والإعلامية بين مؤيد للتفاوض مع بشار الأسد ، وبين رافض للفكرة. بين من يرى أن فك الارتباط بين دمشق وطهران ممكن ومطلوب في الآن نفسه ، وبين من يرى استحالة الأمر وتبعاً لذلك وضع البلدين في ذات المحور (محور الشر) بحسب تعبير المحافظين الجدد.
لا شك أن الجدل حول الغارة المذكورة قد تصاعد مع تسريب صحيفة الصندي تايمز البريطانية لتفاصيل مزعومة منحتها بعداً أسطورياً ، إذ جرى الحديث عن قيام وحدة هيئة الأركان الإسرائيلية الخاصة بدخول الموقع بلباس الجنود السوريين وأخذ عينات نووية منه قدمت للإدارة الأمريكية التي طلبت ما يثبت استخدام الموقع لاغراض عسكرية نووية كي توافق على قصفه.
كان نتنياهو قد كشف عن معرفته بالعملية ودعمه لها ، فيما يؤكد أنها جاءت نتاج توافق بين المؤسسة العسكرية والأمنية من جهة وبين المؤسسة السياسية بزعامة أولمرت من جهة أخرى. ولو حاولنا قراءة الأهداف الكامنة خلفها فلن نعثر على سبب عسكري حقيقي ، أعني وجود هدف يشكل بقاؤه تهديداً جدياً لتوازن القوى بين سوريا والدولة العبرية.
من هنا يمكن الحديث عن أهداف أخرى للعملية يأتي على رأسها تحذير سوريا من مغبة المضي في تحالفها مع إيران ، فضلاً عن الوقوف إلى جانبها في مواجهتها المقبلة المتوقعة مع الولايات المتحدة ، سواء تم ذلك بطرق مباشرة ، أم غير مباشرة يعلم الإسرائيليون أن لدمشق باعا فيها ، مثل دعم عمليات تمس المصالح الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة.
غير أن الأهداف الأخرى الأكثر أهمية بالنسبة للمؤسسة العسكرية هي تلك المتعلقة بترميم سمعتها التي تضررت كثيراً من جراء الهزيمة الكبيرة في لبنان على يد حزب الله ، ومن ثم استعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي بها ، هو الذي يعتبرها ضمانة وجوده. أما أهداف أولمرت فتتعلق بترميم سمعته هو شخصياً بوصفه من تحمل العبء الأكبر للهزيمة أمام الجمهور ، ما منحه مرتبة رئيس الوزراء الأقل شعبية في تاريخ الدولة العبرية.
لا خلاف على أن شيئاً من الأهداف المذكورة قد تحقق بالفعل ، بدليل الارتفاع المعقول في شعبية أولمرت ، وإن بدا من الصعب قياس مدى تطور ثقة الجمهور الإسرائيلي بالمؤسسة العسكرية ، هو الذي لم يعدم من يقول له في وسائل الإعلام بأن ما جرى قد انطوى على الكثير من الكذب والتدليس من قبل صحافيين يتوقف حسهم النقدي حين يطلعهم المسؤولون على معلومات من هذا النوع الذي يأخذ طابع السرية ، بحسب تعبير الكاتب (مناحم بن) في صحيفة معاريف.
على أن هذا الشعور السائد بالانتصار في الدولة العبرية لم يخف بدوره مشاعر الخوف من الردود السورية ، بدليل تلك التأكيدات المتواصلة من قبل أولمرت وآخرين على عدم وجود نوايا صدام مع دمشق ، وعن توفر شريك سياسي فيها. وفيما يرى كثيرون أن تل أبيب تتمتع بتفوق عسكري ، فإن الواقع يقول إن المجتمع الإسرائيلي ليس مهيأ لحرب جديدة حتى لو كانت نتيجتها الانتصار ، فضلاً عن أن الردود السورية قد تأخذ الطابع "الإرهابي" بحسب التعبير الإسرائيلي ، سواء تم ذلك بيدها أم عبر حلفاء لها من قوى المقاومة في المنطقة.
ما جرى لا يغير في حقيقة أن المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة هو المأزوم وليست سوريا ، ومعها قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة.

مصادر
الدستور (الأردن)