ربما لأن الفن الدرامي يمتلك "سمات الحداثة" فإنه يصفعني عبر "السيرة" النسوية في أعمال اخترقت كل التوقعات، وانتقلت بنا إلى عصور ما قبل التاريخ، فالنساء يمارسن السحر، ويخرجت بإذن الذكور، ولكن الكارثة الحقيقية هي سلم القيم الذي تقدمه لنا الدراما السورية عبر مشاهد ربما لا تحوي "دراما" بل تستعيد سيرة "الزير سالم".

ليست مشكلتي في باب الحارة أو "جرن الشاويش" ومن قبله أو بالتزامن معه مجموعة من الأعمال التي تقدم لنا صورة لدمشق، لكن المشكلة الأساسية هي في مجموعة القيم التي تنتشر أسرع من الصوت وهي تقدم لنا حالة لا أستطيع القول بأنها زائفة، بل محاولة لاسترضاء أذواق مريضة أو رقابة تائهة داخل العالم العربي. فالمشكلة أن الأنثى وما يحيطها من "حرمات" هي الضحية الأولى للرقابة.

في زمن الاحتلال الفرنسي على ما يصور مسلسل باب الحارة في جزئه الثاني يتم التضحية بكل الإضاءات التي ظهرت منذ بداية القرن العشرين وحتى زمن الاستقلال، ويتم اختصار الحياة بثرثرة النساء، أو ربما بزيف الذكور، والعنتريات التي تدفعني للغثيان، فالمسألة هي طريقة شد المشاهد عبر غرابة الصوت والتصرف أو استحضار ذاكرته المنسية وإسقاطها على زمن جديد.

"الصراع" في باب الحارة أشبه بكوابيس الأطفال لأنه يعتمد أساسا على الثرثرة المليئة بصور السواد التي تحيط الأنثى، وبخشونة الصوت "الممطوط" عند الرجل، فتصبح الحياة مجرد مساحة ضيقة نحاول خلق حياة فيها أو نجعلها أضيق من طموحاتنا. فالمسألة ليست نقدا فنيا بل تشويه لرؤيتنا البصرية، واستنزاف لحقيقة الذكر والأنثى في تعاملهم مع الحياة. وربما ليس غريبا أن تكون القصة في باب الحارة بجزئيه تدور في رمضان، وفي بقعة منسية ليس فيها من أجهزة الاتصال ما يوحي بانها تحدث في زمن الاحتلال الفرنسي، أي في أوج استعادة الثقافة لحيويتها.. في باب الحارة ليس هناك مدارس ولا حتى كتاب.. ولا نلمس حركة سوى متابعة الإناث للذكور وملاحقة الذكور للإناث... وجرائم تحدث دون أي مبرر درامي.

ربما ملت "الدراما السورية" نفسها فأصبحت تسوح على واقع افتراضي بعد ان استنزفت "الفانتازيا" طاقتها، فهل نستطيع بعد اليوم الوثوق مرة جديدة بإبداعنا!!!