لم يعقد في سورية أي مؤتمر قمة عربي، رغم أنه في 18 أيار عام 1946 عقد مؤتمر لوزراء خارجية الدول العربية الأعضاء في الجامعة، وهذا الاجتماع شكل عمليا الصورة الأولى لأي مؤتمر قادم، فالقمم العربية كانت تتمحور حول "القضية الفلسطينية" عموما. وعندما يطرح اليوم مسألة نقل القمة العربية القادمة من دمشق فإن هذه "التكهنات" تكشف عن واقع عربي جديد، وليس فقط "خلافات عربية".

موضوع الخلاقات يشكل في العمل الدبلوماسي مررا لانعقاد المؤتمرات، ويبدو أن المكان الجغرافي للقمة القادمة يعاكس التكوين السياسي الذي يحاول الظهور على قاعدة من الاستقطابات التي برزت منذ احتلال العارق. فانعقاد المؤتمر في دمشق ينقل الحدث إلى أكثر العواصم حساسية في المشهد "الشرق أوسطي" على أقل تقدير، وهو امر تم تجنبه في معظم القمم السابقة، فحتى عندما انعقدت القمة في بيروت، كانت تؤسس لمرحلة جعل هذه العاصمة "خارج" نطاق الصراع، ورغم الكثير من الخلافات التي ظهرت في تلك المرحلة، لكن المبادرة العربية للسلام أصبحت المبرر الأقوى لعقد القمة في تلك العاصمة التي احتلالها الإسرائيليون عام 1982.

عمليا فإن جعل القمة العربية دورية أنهى الهاجس الأساسي الذي نشأت عليه هذه الاجتماعات، فالقادة العرب منذ قمة أنشاص كانوا يجتمعون على قاعدة الصراع في فلسطين، لكن المراحل اللاحقة لهذه اللقاءات، وعلى الأخص بعد مؤتمر السلام في مدريد انعكست بشكل متفاوت نتيجة تبدل الخيارات الاستراتيجية. فالقمم العربية اتسمت بأمرين:

 الأول أن مسألة الصراع مع "الدولة العبرية" كانت شأنا مركزيا، ورغم الخلافات فإن "الخيارات الاستراتيجية" بقيت على حالها رغم التبدلات التي طرأت على مواقف الدول. لكن التصريح أو اعتماد خيار جديد تجاه "إسرائيل" كان مضمرا أو حتى مغيبا.

 الثاني أن الدول العربي وخلال مؤتمرات القمة بعد حرب 1973 كانت تحاول إيجاد خيارات استراتيجية تستند إلى قرارات الأمم المتحدة، لكنها في نفس الوقت عجزت عن بلورة هذه الخيارات أو وضعها ضمن مشروع سياسي.

بالطبع فإن قمة الرباط عام 1982 طرحت مشروع سلام، إلا أن ظروف الصراع لم تتح مناقشة موسعة لهذا المشروع، وخيارات السلام اللاحقة فرضتها التبدلات الاستراتيجية بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية ثم احتلال الكويت، فهي محاولات لا تتعلق بصلب مسألة السلام والحرب مع "إسرائيل" بل انعكاس مباشر للاخفاقات الاستراتيجية للنظام العربي ككل. وربما تعطي الصورة البانورامية للقم العربية منذ التسعينات مؤشرا أساسيا أن المبادرات التي طرحت، وعلى الأخص مبادرة السلام العربية، هي "خطط طوارئ" للهروب من الاستحقاق الأساسي، أو صياغة الخيار الاستراتيجي للنظام العربي ككل.

وعندما يطرح اليوم موضوع نقل القمة العربية من دمشق عبر بعض الأخبار والتقارير فإنه يحمل مجموعة مؤشرات على صعيد التعامل مع "الخيار العربي" إن صح التعبير، فنقل القمة ليس جديدا لكنه اليوم يحكمه اعتبار أساسي مرتبط بصورة الشرق الأوسط الذي تشوبه محاولات لإعادة رسم نقاط التقاء دوله، أو افتراض محار سياسية جديدة له، وتجعله على خط تناقض صارخ وما بين "الاعتدال" و "التطرف"... رغم ان هذه التقسيمات متعلقة بمصالح لا علاقة لها بـ"النظام العربي"... فهل نشهد قمة عربية تعكس صورة دولية؟ إنه سؤال بانتظار التطورات القادمة، لأن قمة الرياض وترتيباتها كانت متداخلة مع زيارة رايس للمنطقة، فالمسألة اليوم متعلقة أساسا بالقدرة على الخروج من دائرة "استقطاب" افتراضي، بعد ان انتهى زمن الحرب الباردة.