باتت اطلالات الأمين العام لحزب الله اللبناني لها وقعها والعلامة السياسي والعسكري يتحدث عند الملمات وحينما تستدعي الضرورة ان يقول حسن نصر الله كلمته وغالبا ما انتظرت الاوساط السياسية والدبلوماسية اطلالات الامين العام لحزب الله المتباعدة منها خصوصا من اجل استشفاف مواقف الحزب من مسائل كثيرة تتعلق بموقعه في المعادلة الداخلية وازاء الخارج.

وقد استوقف كثيرين محدودية المواضيع الداخلية التي شملها خطابه الاخير في ضوء مايعتقد ان متغيرات كثيرة مؤثرة متوقعة قريبا، فكان نصر الله بعيدا عنها ولم يتطرق اليها لا من قريب ولا من بعيد كالقضية النووية الايرانية مرورا بالمؤتمر الدولي الذي ستشرف عليه الولايات المتحدة الاميركية الشهر المقبل حيث يحتمل ان يجري بوش مساعي سياسية لتأمين اجراء اتصالات بين سوريا التي اعتبرت المؤتمر سلفا يخدم السياسة الاسرائيلية في المنطقة والولايات المتحدة الراعي الرسمي لهذا المؤتمر. وقد تكون على هامش المؤتمر اجواء ليس من السهل الخوض في غمارها في الوقت الذي تتعاظم فيه الضغوط الخارجية على كل المعنيين في الشأن اللبناني من اجل اجراء انتخابات رئاسية في موعدها الدستوري بما يؤمن اعادة الاستقرار الى لبنان وليس العكس.

ففي البند المتعلق بموضوع انتخابات الرئاسة الاولى في لبنان وفقا لما ورد في كلام السيد نصر الله، توقفت مصادر دبلوماسية واخرى سياسية عند ابتعاد نصر الله مجددا عن المجاهرة او تسمية العماد ميشال عون مرشحا للمعارضة او باسمها فرئيس تكتل التغيير والاصلاح ليس وفق الاتصالات التي يجريها دبلوماسيون وسياسيون مع نواب وشخصيات من الحزب مرشحه الفعلي ولا يوحي هؤلاء اطلاقا بأن عون سيكون المرشح الذي ستخاض معركة الانتخابات من اجله وبما ان المراجع المعنية تعرف ذلك مباشرة من الحزب فإن كلام السيد نصر الله هو اقرب الى الاحتواء الداخلي منه الى توجيه رسائل الى الخارج في هذا الصدد علما بأن المنطق يفضي الى القول ان عدم التسمية والدوران والالتفاف حول المواصفات التي يمكن ان تنطبق على عون كما على سواه يفتحان الباب على كل الاحتمالات بمافيها العودة الى تبني ترشيح عون علنا في حال طرأت ظروف معينة ملائمة لذلك، وحينها يكون النائب روبير غانم بعيدا عن الحسابات الاميركية.

وجهة النظر هذه مبنية على أساس ان الشرطين اللذين طرحهما السيد نصر الله بديلا من التوافق على رئيس وهما اللجوء الى استفتاء الشعب والاحتكام اليه او اللجوء الى استطلاعات للرأي يمكن ان ترجح كفة الجنرال باعتباره لا يزال الاكثر شعبية بين المرشحين الموارنة للرئاسة الاولى ويرضيان حليفا مسيحيا مهما بالنسبة الى الحزب هو نفسه سبق ان طالب بانتخابه من الشعب. فنصر الله يعلم جيدا استحالة حصول الامرين معا. ويتجنب الحزب تسمية عون صراحة وبوضوح مثلما سمت الاكثرية مرشحيها نسيب لحود وبطرس حرب. فهو يعرف جيدا مواقف الدول المؤثرة والمعنية من مختلف المرشحين وفي مقدمتهم عون.

ولعله امام احتمالين اما اعلان عون مرشح الحزب فيساوم على اسمه في مقابل مرشح من الموالاة في حين ان تسميته تعني انه مرشح طرف في الوقت الذي يقول فيه عون ومعه الحزب انه مرشح توافقي وهو لا ينوي القول صراحة انه يضع ترشيح عون في الواجهة للمفاوضة عليه واما عدم اعلانه على انه كذلك فلأنه لا يريد ان يسجل تنازلا متى لم يتأمن التوافق على عون لعلمه ان هذا التوافق ليس سهلا على الاطلاق والبعض يجزم باستحالته محليا وخارجيا على حد سواء.

في مختلف الاحوال فإن هذه النقطة ليست مركز الثقل وبيضة القبان في خطاب نصر الله بل هي الاشارة الضمنية الى الاقتراحين البديلين من التوافق كدلالة على أنه يحتكر الغالبية من الشعب وبذلك يحاول ان يستخدم هذا البديل مستقبلا او التحضير له على قاعدة ان ما هو غير ناضج في المرحلة الراهنة يتم السعي الى انضاج ظروفه للمراحل المقبلة. ولا يؤمن كثيرون بأن مجال المناورة كبير فعلا في موضوع الرئاسة ما دام نصر الله نفسه حدد خيارا وحيدا مقبولا هو التوافق والخياران الاخيران ليسا عمليين.

والمعلومات المستقاة من بيروت تشير الى ان التفاوض جار فعلا في اللقاءات الدبلوماسية والسياسية وعلى نحو غير مباشر حول الاسماء المقبولة، و«حزب الله» منخرط فيه مثل سواه من الافرقاء السياسيين وقد اعتبرت الاوساط الدبلوماسية الكلام العلني لنواب الحزب في الايام الاخيرة مؤشرا مهما في الموضوع الرئاسي الى ما كان يدور في الكواليس السياسية في هذا الموضوع.

أما النقطة الحساسة الاخرى التي استوقفت في كلام نصر الله اكثر من الموضوع الرئاسي فهي اتهام اسرائيل بالاغتيالات التي طالت نوابا في قوى 14 اذار واعتباره المحكمة وسيلة لمعاقبة سوريا «الممانعة» في رأيه للسياسة الاميركية والاسرائيلية. وهذا طبقا لخطاب الامين العام للحزب ينطبق على تشكيك مسبق في النتائج التي سيخلص اليها التحقيق الدولي وبدء هجوم معاكس على هذه النتائج التي يفترض ان يكون موعد اعلانها قد اقترب بعد شهرين تقريبا من انتهاء ولاية القاضي البلجيكي سيرج براميريتس في رئاسة لجنة التحقيق. وهذا امر يمكن التثبت منه لاحقا في مواقف افرقاء معارضين غالبا ما يأخذون من مواقف نصر الله معلما لاكمال اتجاه سياسي معين او تفعيله.

ولعل الايام القادمة كفيلة بمعرفة كل القضايا الساخنة التي تؤرق حسابات نصر الله وفي مقدمها سلاحه وتحالفه الوثيق مع سوريا وايران مرورا بالتوافق الرئاسي مع العماد ميشال عون الذي لم تأت ساعته بعد اعلان ترشحه للرئاسة الاولى.

مصادر
الوطن (قطر)