قد تكون الوصفة التي أعدها أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لحل القضية العراقية شبيهة بسيناريو "البوسنة" عمليا. فقد أقر مجلس الشيوخ الأمريكي في نهاية سبتمبر قرارا يدعم فكرة تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات إقليمية إدارية على أساس طائفي واثني. وقد لا يؤدي هذا القرار بحد ذاته إلى تقسيم البلد بصورة نهائية إلا أن الوضع في العراق نفسه قد يتفجر من جديد بسهولة.

ويفترض القرار إنشاء ثلاثة جيوب ـ شيعي في الجنوب وسني في الوسط وكردي في الشمال مع مركز فدرالي مشترك في عاصمة البلد بغداد. وستقتصر مسؤولية بغداد فقط على صيانة أمن الحدود الخارجية للفدرالية العراقية والتحكم بإيرادات النفط. وستخول العاصمة الكيانات الإقليمية قسما كبيرا من وظائفها الحكومية والإدارية.

وتبدو الفكرة للوهلة الأولى جميلة. وهذا لا سيما وأنه ثبت في مسودة الدستور العراقي الجديد التي من المقرر أجراء استفتاء عليها في 15 أكتوبر مبدأ الدولة الفدرالية. وقد افادت صحيفة "الصباح" العراقية مؤخرا أن معظم العراقيين عازمون وفقا لنتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه "مركز تنمية الحوار الدولي" العراقي على تأييد مسودة الدستور الجديد خلال الاستفتاء المرتقب.

وحتى مراعاة لهذه الواقعة فأن أعضاء البرلمان الأمريكي هم أسرى أوهامهم بشأن القضية العراقية على الأرجح. فيوجد عدد من التحفظات الواضحة بشأن الوضع الحالي في العراق بما في ذلك بصدد الفدرالية المقترحة، التي كان يتعين على الولايات المتحدة مراعاتها.

وعلى سبيل المثال فإن تأييد الرئيس العراقي جلال الطالباني الكردي اثنيا ورئيس الدولة الاسمي عمليا قرار مجلس الشيوخ الأمريكي قبل أيام سيؤجج على الأرجح التوتر في البلد من كونه يتمخض عن الوفاق. وعلى الأقل لأن رئيس وزراء البلد الشيعي نوري المالكي الذي يمتلك سلطات أكثر من الطالباني عارض القرار بشكل قاطع.

وعارض القرار أيضا البرلمان العراقي. كما عارض فكرة الفدرالية عدد من الأحزاب السنية المتنفذة والشيء الرئيسي الأحزاب الشيعية أيضا. وعمليا أيد فكرة الفدرالية الأكراد وحدهم الذين يتركز في مناطق إقامتهم الشمالية الاحتياطي الأساسي من النفط العراقي.

وهذا يتعلق بشمال البلد ولكن مشكوك في أمر كذلك خطة انفصال الجنوب "الشيعي" عن الوسط "السني". ويبدو أنه كان يتعين على البيت الأبيض استخلاص الدروس من مشكلة "البلقان" بشأن التعايش الطائفي أو العكس ـ عدم التعايش. فمن الواضح أن الموازنة بين الطوائف في أي بلد هي بنية هشة لدرجة بحيث أن أي قرار غير حذر يكفي لاعتباره تطاولا على مصالح طرف في صالح الطرف الآخر. ومن المستبعد أن يوافق السنة أسياد البلد بالأمس وسيحرمون من الموانئ البحرية في الجنوب والنفط في الشمال على بنود القرار الأمريكي وحتى وان كان ينص على تحويل 20 بالمائة من إيرادات النفط إلى ميزانية العراق الفدرالية.

وعلاوة على ذلك وفيما يخص الجنوب "الشيعي" أن البيت الأبيض نفسه وحلفاءه في الخليج العربي ينظرون إلى إيران الشيعية بخوف. وفي واشنطن شأنها في الرياض وعمان والكويت وإلخ بما في ذلك في بغداد نفسها يتخوفون من أن يتحول جنوب العراق بسهولة في ظل ظروف معينة إلى محمية إيرانية. وأن المضاربات بشأن هذا الموضوع كثيرة. وهذه المضاربات تضاهي المضاربات بصدد خطط تقسيم العراق وفق التصاميم الأمريكية.

وأخيرا أن فكرة الفدرالية لا تحظى بتأييد أي من دول جوار العراق بما فيها بلدان الخليج العربي وأسباب ذلك مفهومة إذ إن هذه الفكرة خطرة بقدر ما هي جميلة. وعلى أقل تقدير الآن. فحالما يجري طرح قضية الحكم الذاتي في قوام العراق الفدرالي تتبعه ردود فعل الأكراد الذين يعيشون في تركيا وسورية وإيران.

وان القرار الذي صدر عن مجلس الشيوخ الأمريكي ليس إلزاميا ولحسن الحظ لا للعراق وحده بل وحتى للإدارة الأمريكية. وجرت صياغته على هيئة تعديل على مسودة قانون السياسة الأمريكية العسكرية وليس مؤكدا أن توافق الإدارة الأمريكية على هذا "التعديل". أما في حال موافقتها فسيكون من الممكن بكل جرأة نسيان خطة الجنرال ديفيد بيتريوس حول سحب 30 ألف جندي أمريكي من العراق حتى صيف عام 2008.