تعكس الأزمة الراهنة بين أنقرة وواشنطن وتهديد تركيا بالانسحاب من حلف الاطلسي مسألة في غاية الأهمية وهي أن الولايات المتحدة مستعدة لأن تضحي بالحلفاء والاصدقاء اذا ما كانت مصالحها تتطلب ذلك! وقد يقول قائل إن الكونغرس الاميركي هو الذي صوت على قرار يعتبر المذابح التي تعرض لها الارمن في تركيا، خلال الحكم العثماني بأنها «ابادة جماعية» في حين أن إدارة بوش عارضت القرار ووصل الامر الى حد أن الرئيس الأميركي يدرس استخدام حق الفيتو على القرار مما يعني أن الازمة لها ابعاد داخلية أميركية وتركية على حد سواء.. وثمة من يرى أن سبب الازمة هو اللوبي الصهيوني الذي يريد معاقبة تركيا على مواقفها وسياساتها الجديدة في الشرق الأوسط في حين أن آخرين يؤكدون أن المسألة برمتها متصلة بالازمة الكبرى وهي رفض الاتحاد الأوروبي السماح لتركيا بالانضمام الى عضويته ربما لأنها دولة اسلامية شرقية، الامر الذي يظهر الطابع العنصري للأوروبيين من جديد.. والعنصر الجديد في هذه الازمة هو تهديد أنقرة بالانسحاب من حلف الناتو الامر الذي سيقوض الجناح الشرقي للحلف من الناحية الاستراتيجية.

وبات هذا الجناح اكثر أهمية للولايات المتحدة في ضوء مشروع الدرع الصاروخية وكأن المنطقة عادت لتدخل مرة أخرى في أتون «حرب باردة» ولكن من نوع جديد!

واذا كانت أنقرة بررت حملتها العسكرية شمال العراق بأن السلطات الكردية هناك لم تتخذ الخطوات والاجراءات الكافية لوقف تسلل مقاتلي حزب العمال الكردستاني الى داخل تركيا والقيام بأعمال إرهابية فإن المقلب الآخر من المشهد التركي - الأميركي يطرح علامات استفهام حول اخطاء سياسات بوش في الشرق الأوسط والتي تفجر الازمات الواحدة تلو الأخرى.. ولا بد من الاشارة هنا الى أن الموقف يزداد تدهورا بين أنقرة وواشنطن لأن قرار الكونغرس الأخير باعتبار مذابح الأرمن في تركيا بأنها «إبادة جماعية» ضد الانسانية قد يمهد الطريق أمام صدور قرار عن الأمم المتحدة بهذا الشأن، الأمر الذي يضع الأتراك في وضع لا يحسدون عليه وربما ترتب على القرار خطوات وإجراءات قد تصل الى حد المطالبة بتشكيل محاكمة دولية للنظر في هذه القضية..! وهذا مؤشر واضح على أن الأزمة التركية -الأميركية مرشحة لمزيد من التطورات المفتوحة بالرغم من سعي واشنطن الحثيث للتهدئة وتوجيه رسالة اطمئنان الى القيادة التركية بأن قرار الكونغرس لن ينفذ ولن تكون له أي تأثيرات على أرض الواقع لكن الخبراء يرون العكس في المحصلة الختامية.

مصادر
الوطن (قطر)