عززت التكهنات والفرضيات التي سبقت توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إيران أمس، أهمية «الزيارة التاريخية»، خصوصاً انه بدد كل التكهنات بإلغائها، مؤكداً عزمه على تجاهل التحذيرات من احتمال تعرضه لمحاولة اغتيال في طهران. كما بدد موقف الرئيس الروسي إشاعات عن ضغوط غربية مورست على الكرملين لثنيه عن الزيارة.

وأوحت تقارير في موسكو أمس، بأن الأجهزة الأميركية سرّبت إلى الأجهزة الروسية، معلومات عن «مجموعات انتحارية» تخطط لاغتيال بوتين لدى وصوله الى طهران، ما اعتبِر «جزءاً من محاولات التشويش على الزيارة». لكن بوتين قال رداً على سؤال حول احتمال إلغاء زيارته نتيجة التحذيرات: «إذا كنا سنتأثر بالتهديدات ونصائح أجهزة الأمن، فلن نخرج من بيوتنا».

وبدا بوتين متمسكاً باقتراحه الحوار مع إيران، مستعيناً بنموذج المحادثات الناجحة مع كوريا الشمالية. وقال إثر لقائه المستشارة الألمانية انغيلا مركل في فيسبادن (غرب ألمانيا) أمس: «نرى تطورات إيجابية في شبه الجزيرة الكورية حيث تحلينا بالصبر وسعينا تدريجاً وراء حلول، يبدو اننا في صدد إيجادها. وينبغي القيام بالأمر ذاته في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي».

ويوحي موقف الرئيس الروسي بأن ثمة حلاً ناضجاً في ذهنه لكيفية التعاطي مع إيران، خصوصاً بعدما استمزج الآراء في الغرب، خلال محادثاته مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، ووزيري الخارجية والدفاع الأميركيين كوندوليزا رايس وروبرت غيتس في موسكو الأسبوع الماضي، واستكماله تلك المحادثات مع المستشارة الألمانية التي تتخذ بلادها وإيطاليا وإسبانيا موقفاً معارضاً لاقتراح فرنسا التشدد مع طهران، بفرض عقوبات أوروبية، خارج إطار مجلس الأمن.

وحظي موقف بوتين بدعم من الاتحاد الأوروبي الذي استقبل وزراء خارجيته المجتمعون في لوكسمبورغ أمس، الدعوة الفرنسية إلى التصعيد مع إيران بحذر شديد. وردوا على رسالة نظيرهم الفرنسي برنار كوشنير التي طلب فيها إقرار عقوبات ضد طهران بتأكيد أولوية الحل التفاوضي لأزمة الملف النووي الإيراني. (راجع ص 8).

ومع تأكيد بوتين انه سيتوجه الى طهران اليوم لإجراء محادثات مع نظيره الإيراني محمود احمدي نجاد والمشاركة في قمة الدول المطلة على بحر قزوين، أكدت أوساط روسية «الأهمية الكبرى» التي توليها موسكو للزيارة، إذ يرافق الرئيس الروسي، وزير خارجيته سيرغي لافروف والمدير العام للوكالة الروسية للطاقة الذرية سيرغي كيرينكو ومسؤولون آخرون.

وعلى رغم ان الهدف الرسمي للزيارة هو المشاركة في قمة قزوين، فإن غالبية المحللين الروس رأت ان بوتين تعمد من خلال تصميمه على الزيارة توجيه رسالة إلى الغرب. وقال رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية في موسكو ليونيد إيفاشوف ان الرئيس «يتوجه إلى إيران من أجل الحيلولة دون عدوان محتمل على هذا البلد وعدم السماح بزعزعة الوضع في الشرق الأوسط، ومن أجل الحفاظ على دور روسيا كأحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة».

وكان بوتين أعلن ان برنامج إيران النووي سيكون أبرز محاور محادثاته في طهران، ويأمل الكرملين بالحصول على تعهد واضح من نجاد بتنفيذ التزامات طهران وفقاً لمذكرة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولم تستبعد مصادر في موسكو ان يتمكن الجانبان من تحقيق اختراق على صعيد استئناف العمل في بناء مفاعل «بوشهر»، إذ أشار ناطق باسم الوكالة الروسية للطاقة الذرية الى «استعداد موسكو لإنجاز عمليات البناء والتجهيز لبدء تشغيل المفاعل العام المقبل». وأشارت مصادر الى ان بوتين ينوي إعادة طرح فكرة بناء مركز مشترك لتخصيب اليورانيوم الإيراني على الأراضي الروسية.

ورأى محللون روس ان العلاقات الثنائية ستشغل حيزاً مهماً من محادثات بوتين في طهران، خصوصاً بسبب تقاطع مصالح البلدين في منطقة آسيا الوسطى، وتقارب المواقف في النقاشات الدائرة حول التوصل الى تسوية لتقاسم ثروات بحر قزوين. وذكر أحد الخبراء في الشأن الإيراني ان طهران تعتبر روسيا حليفاً استراتيجياً في ظروف المواجهة القائمة مع الغرب، فيما تكتفي موسكو بـ «شراكة استراتيجية في الإطار الإقليمي»، ترى انها تضمن الحفاظ على استقرار المنطقة.

وإيران هي الدولة الوحيدة التي تشاطر روسيا موقفها في تحديد الوضع القانوني لبحر قزوين، والحيلولة دون وجود الدول غير المطلة على البحر، في حوضه. وينتظر ان يوقِّع قادة دول بحر قزوين في طهران إعلاناً مشتركاً، اعتبره وزير الخارجية الروسي «نقطة بداية من أجل تسوية المشكلات بين بلدان حوض قزوين». وأفادت مصادر روسية بأن البيان يتطرق الى مسائل العلاقات بين دول الحوض والملفات الإقليمية المهمة للأطراف، ولكن لم يعلن هل يشتمل على فقرة خاصة بملف إيران النووي.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)