لا يخفى على أحد أن أحداث 11 أيلول 2001، وما تبعها من اختلال الموازين والمعايير في عالم اهتزت أركانه ودبت فيه الفوضى، شكلت نقطة مفصلية في الألفية الثالثة ألقت بظلالها على معظم مفاصل حياتنا. ونتيجة تلك الأحداث فقد أحتل "الإرهاب" مكان الصدارة قي الخطاب الإعلامي "سياسي ـ اقتصادي ـ ثقافي ـ فني.." في مختلف دول العالم.

بعد تلك الأحداث البغيضة الدامية، أصبح العرب خصوصاً والمسلمون عموماً متهمون بـ "الإرهاب"، وهم من وجهة نظر القوى العظمى متهمون حتى يثبت العكس، "كي لا نقول إلى ما شاء الله". والعرب من جهتهم أدركوا "حسب زعمهم" خطورة هذا الاتهام وزيفه وبطلانه، وأدركوا أيضاً ضرورة الرد على هذه التهمة، لذلك أصبح شغلهم الشاغل كيفية رد التهمة عن طريق البحث عن الأدوات والأساليب التي تمكنهم من ذلك.

ولما كان الخطاب العربي السياسي والاقتصادي والثقافي عاجزاً وقاصراً، أو لنقل ليس على المستوى المطلوب في مواجهة هذا التحدي، كونه يفتقد إلى مقومات وعناصر النجاح، فضلاً عن أنه يمر بمرحلة جزر منذ سنوات طويلة، بات من الضروري اجتراح حلول لإبعاد التهمة ورفع الظلم وذلك عن طريق امتلاك القدرة على الرد "فنياً" بشكل عام، و"غنائياً" بشكل خاص!!.

فأطلّت علينا القنوات الفضائية العربية "الغنائية" بالعشرات، تستولد بعضها بعضاً، بزحف لا يمكن تشبيهه إلا بأسراب الجراد التي تأكل الأخضر واليابس، وانبرت للرد على تلك التهمة، وتنكبت عناء ذلك، وألقت على كاهلها تلك المسؤولية لتسوّقنا كبشر بعيدين عن كل ما يحصل في العالم، وتروج لفكرة أننا لا نعرف طريقاً إلى الاهتمام بالقضايا الكبرى ولا نعرف كيف نوليها حقها!!.

قنوات فضائية "فنية وغنائية" مبتذلة ورخيصة، تقف وراءها رؤوس أموال ضخمة تمكنها من استقدام أحدث أشكال التقنية والمعدات، وتوظف آخر المبتكرات في عالم الاتصالات، لتسمم حياتنا وتلوث أثيرنا وتشوه ذائقتنا الفنية وذائقة الأجيال القادمة، وتمارس دوراً إلغائياً ـ بما تحمل الكلمة من معنى ـ لكل فن راقٍ يمكن له أن يساهم في تأسيس أرضية صالحة لمشهد فني ثقافي حضاري يستطيع أن يقدم نموذجاً صالحاً لحقيقتنا وتاريخنا وموروثنا، ويكون في الوقت ذاته أحد أهم أشكال الرد.

الدور المطلوب من تلك الفضائيات " الفنية والغنائية" باختصار هو تقديم كل شيء هش وأجوف وهزيل ومسطح ومبتذل وخال من أي مضمون.. تقديم كل شيء من هذا القبيل إلا الفن والغناء!!. وكأن لسان حال تلك الفضائيات ومن يقف وراءها ويمولها يقول لتلك القوى العظمى، كرد على تهمة "الإرهاب": ها نحن العرب.. أناس لا تاريخ لهم ولا ثقافة ولا حضارة، نهز خصورنا النحيلة وقدودنا المياسة على هامش التاريخ والثقافة وبعيداً عن الفعل الحضاري والثقافي والإنساني، ونجعل من الإسفاف عنواناً وشعاراً لنا.. وها هي فضائياتنا "الفنية والغنائية" أكبر دليل على ذلك!!. وبعد هذا تتهموننا بـ "الإرهاب" أيها المفترون الظالمون؟!!.

رد لا يمكن وصفه إلا بالأعرج والهزيل والانهزامي، وهو لا ينفصل عن المثل الشعبي القائل: "ألف كلمة جبان ولا كلمة الله يرحمو"..

أوقفوا هذا الهراء.. فنحن لا نريد أن يكون حالنا مع تلك الفضائيات "الغنائية" كحال المستجير من الرمضاء بالنار!!.