منذ وقوع الغارة الجوية الإسرائيلية على سوريا في السادس من أيلول الماضي والغموض يسود حقيقة ما جرى. الإسرائيليون تكتّموا وتركوا للأميركيين نسج مجموعة من الروايات بعد تسريب تلميحات إليهم. قال الأميركيّون أولاً إن الهدف كان تعزيزات عسكرية موجّهة إلى «حزب الله» في لبنان. ثم انتقلوا إلى الحديث عن «توجيه رسالة إلى إيران» وما ينتظرها في حال نشوب نزاع معها حول المسألة النووية. وفي المرحلة الثالثة تحدّثوا عن التعاون النووي السوري ـــــ الكوري الشمالي، وعن إحباط محاولة لبناء منشآت نووية في المهد. وما يجمع كلّ هذه الروايات أمر واحد هو أن إسرائيل تمتلك ذراعاً طويلاً وأنّها قادرة على «الردع والإرهاب» حيث وكيفما تشاء.
صور الأقمار الاصطناعيّة لم تجزم بأنّ المنشآت قد تكون نووية. كما أنّ تعدّد الروايات والتبريريات زاد الطين بلّة. مضى وقت طويل، سُرّبت خلاله معلومات تفيد بأن الأميركيين رفضوا تنفيذ المهمة بأنفسهم، وتركوا الأمر للإسرائيليين.
وجاءت زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، إلى واشنطن الأسبوع الماضي، برفقة طاقم كبير من الضباط رفيعي الرتب. جلس هؤلاء قبالة نظرائهم الأميركيين، وبينهم نائب الرئيس ديك تشيني، ليردّوا على أيّ استفسارات. وأكّدت مصادر إعلامية أميركية عديدة أن الرئيس الأميركي جورج بوش استمع بالتفصيل إلى شرح باراك وضباطه المزخرفين بالنياشين. ولقد تعمّد الوزير الإسرائيلي استعراضهم في الأمم المتحدة عندما زار أمينها العام، بان كي مون، الجمعة الماضي.
وبعد انتهاء الزيارة إلى البيت الأبيض، سرّبت الإدارة الأميركية ما يصلح للنشر من معلومات غير موثّقة. وتمّ عرض برنامج إخباري خاصّ عن الغارة على قناة «اي بي سي»، قدّمته مارثا راداتز وتشارلز غيبسون، وتضمّن عرضاً حاكى هجوماً حقيقياً، بناءً على المعلومات المسرّبة، وأظهر أنّ إسرائيل دمّرت قبّة إسمنتية غير مكتملة البناء، مشيراً إلى أنّها عندما تكتمل ستشكل حاوية للمفاعل النووي السوري.
كما جاء في البرنامج أن الغارة دمّرت محطة لضخ المياه من نهر قريب كانت ستستخدم لتبريد المفاعل. وذهبت راداتز إلى الحديث عن وجود عميل لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الـ«موساد»، في سوريا، زوّد تل أبيب بالصور على مدى أشهر قبل الغارة.
زيارة باراك للأمم المتحدة أثارت أسئلة أكثر ممّا قدّمت أجوبة. فهو اكتفى بعدها بالحديث بإيجاز عن أنّ اللقاء تعلّق باستمرار خرق القرار 1701 من قبل «حزب الله» في جنوب الليطاني، من خلال نقل السلاح إلى المنطقة الواقعة تحت سيطرة القوّات الدوليّة والجيش اللبناني. كما أشار إلى قضيّة الأسيرين لدى هذا الحزب، إيهود غولدفاسر وإلداد ريغيف، وإلى الخطر الذي يشكّله سعي إيران الدؤوب للحصول على القنبلة النووية.
باراك، والتزاماً بسياسة التكتّم التي تتّبعها الحكومة الإسرائيلية، لم يتحدّث عن الغارة على سوريا، كما لم يسمح للصحافيين بتوجيه أيّ أسئلة، وأنهى مؤتمره الصحافي بحجّة أنّ عليه أن يلحق بموعد إقلاع طائرته. والحقيقة أنّه لم يسافر مساء الجمعة وبات ليلته في نيويورك. وفي تلك الليلة، أذاعت «اي بي سي» برنامجها الذي وُصف بأنّه فضح أسراراً و«أحرج الإدارة الأميركية».