لعقود طويلة كانت تركيا عموما شريكا يمكن الوثوق به في منطقة غير مستقرة عادة ما يكون الغرب بحاجة ماسة للأصدقاء فيها. في القضايا الكبرى وفي الاستراتيجيات كانت مصالح الغرب تلتقي مع المصالح التركية، خاصة في المجال الأمني المتعلق بالشرق الأوسط حيث برزت الى الوجود ظاهرة التشدد الإسلامي وهي ظاهرة لم تجد لها أي رواج في تركيا.

عملت تركيا خلال السنوات الأخيرة على ادخال الكثير من الاصلاحات الاقتصادية القائمة أساسا على اقتصاد السوق وحققت الكثير من النجاحات في هذا المجال، وكانت النتيجة كسب ثقة المستثمرين الأجانب مما أدى إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية بأرقام لم يحلم بها أحد في تركيا في يوم من الأيام، وكان يمكن لهذه الاستثمارات ان تزيد من قوة العلاقة بين الغرب وتركيا وتمهد الطريق أمام تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي كونها قوة اقتصادية يعتد بها وليس كما يقول البعض صاحبة اقتصاد مهلهل.

وكان الجميع يتوقع ان تؤدي تقوية الديمقراطية المدنية الى تقوية التعاطف التركي مع الغرب وبالتالي اكمال الطريق نحو المستقبل يدا بيد.

ما جرى هو العكس وذلك بسبب الأحداث الداخلية والخارجية التي تمس تركيا مما أدى الى تعكير صفو العلاقات وإثارة الشارع التركي ضد الغرب، وهذا يعني ان تركيا لم تعد مضمونة في جيب الغرب.

تشهد تركيا الآن مخاضا سياسيا واجتماعيا وتحولات كثيرة على أكثر من مستوى وفي أكثر من مجال. الشعب التركي أعطى تفويضا جديدا لحزب العمل والعدالة وهو حزب ذو جذور إسلامية مما دفع البعض لإثارة تساؤلات بشأن مصير العلمانية في تركيا الحديثة التي أسسها كمال أتاتورك.

الأوروبيون تعاملوا مع قدوم الإسلاميين بنوع من القبول ولكن كمن يقبل بالشيء على مضض، وبدأ البعض يتحدث عن ضرورة جعل تركيا مثالا يحتذى للتعايش بين القيم الإسلامية والمؤسسات العلمانية.

في المقابل، يشعر الأتراك بالخيانة من قبل الاتحاد الأوروبي وهو شعور يمكن تفهم أسبابه بمسار المفاوضات التي جرت بعد قبول الطلب التركي للبدء بمفاوضات الانضمام. الآن الكثير من الأتراك لديهم اعتقاد جازم بأن الطلب التركي للانضمام لن يقبل أبدا.

عملت الدبلوماسية الأميركية على رأب الصدع في العلاقات التركية ــ الأميركية وهو الصدع الذي حدث بعد رفض تركيا الطلب الأميركي لاستغلال أراضيها لغزو العراق. الكثير من العمل تم انجازه بهدوء ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن حيث عاد التوتر لهذه العلاقات من جديد بعد قيام لجنة في الكونغرس باعتبار ما فعله الأتراك للعثمانيون قبل 90 عاما بحق الأرمن هو إبادة بشرية.

ذلك القرار لم يكن ضروريا ولا داعي له كونه يناقش أمرا تاريخيا بينما الحاضر والمستقبل هما بالتأكيد أهم من الماضي.

يمكن توقع المزيد من الأضرار في علاقة تركيا بالغرب في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لشن هجمات على قواعد حزب العمال الكردستاني المقامة في شمال العراق الذي يحارب من أجل حصول أكراد تركيا على حكم ذاتي.

وقد أقدم مقاتلو الحزب الكردي على قتل أكثر من عشرة جنود أتراك مما وضع الحكومة التركية تحت المزيد من الضغوط للقيام بعمل ما من أجل ضبط الأمن على حدودها ومنع مقاتلي حزب العمال من التسلل الى داخل أراضيها.

ان قيام تركيا بغزو شامل لشمال العراق باستخدام 60 ألف جندي يتمركزون حاليا على الحدود التركية ــ العراقية، سيكون كارثة بالنسبة لاقليم كردستان العراق وهو الاقليم الوحيد الذي يتمتع حاليا بالأمن وبنمو اقتصادي قوي في كامل العراق. وأوضح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ان الأتراك ليسوا في مزاج الآن للاستماع للدعوات الغربية لضبط النفس.

ان التأييد البريطاني للعضوية التركية في الاتحاد الأوروبي سيعطي رئيس الوزراء براون قدرا من النفوذ ليمارسه على أردوغان. على براون ان يوضح لرئيس الحكومة التركية ان فشل أي هجوم عسكري تركي في شمال العراق سيقوي من حظوظ حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا.

ان تركيا الآن في مزاج سيئ لأنها تشعر بتخلي أصدقائها عنها في الأوقات الصعبة. الآن على الغرب ان يجعل تركيا تطمئن لصداقته حتى لا يخسرها.

مصادر
الوطن (قطر)