حتى اللحظة يبدو أن مسألة حزب العمال الكردستاني لم تخرج عن "الإطار" الاستراتيجي الكلاسيكي للتعامل مع الشأن الكردي، فالتجربة المعاصرة ماتزال تحمل في الذاكرة "جمهورية مهاباد" والتملص من معاهدة سيفر والقبول باتفاقية لوزان، فهذا التاريخ يشكل إلى حد بعيد طبيعة النظر إلى الموضوع الكردي الذي كان حتى زمن قريب ضحية التوازن الدولي. ورغم أن معظم القضايا في الشرق الأوسط كانت تتبع هذا التوازن، لكن الخاسر الأكبر منذ بداية القرن الماضي كان الأكراد عموما.

عمليا فإن ما يحدث اليوم ربما لا يكون بعيدا عن التاريخ المعاصر، فالحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق منذ عام 1991 ظهر بشكل واقعي بعد "شطب" العراق من المعادلة الاستراتيجية إقليميا، واستطاع هذا القليم إنشاء مؤسساته بفضل الحظر الجوي، لكن هذا الأمر لم يمنع تركيا من الدخول أكثر من مرة لمطارة حزب العمال الكردستاني في داخله، وبتعبير آخر فإن الاستقرار فيه بقي أسير التوازن الإقليمي الذي اهتز بقوة بعد احتلال العراق.

وتفجر الأزمة اليوم مع تركية لا تبدو أيضا بعيدة عن الاستراتيجيات التي حكم المنطقة عموما، فالولايات المتحدة تعيش اليوم "ارتجاجا" في تثبيت سياسات واضحة لمرحلة ما بعد الاحتلال، فهي أنجزت القسم "الأسهل" منها في العراق، وهو ما يخص "إقليم كردستان العراق"، لكن المسائل العالقة فيه بقيت كما هي، وعلى الأخص موضوع "كركوك"، وبالطبع فإن هذه المسألة تتعلق أساسا بالصراع على هذا الإقليم، فالمسألة ليست نفطية فقط بل مرتبطة أيضا بـ"جغرافية" الإقليم"، وبشكل أوسع بـ"جغرافية الأكراد الموزعين ما بين أربع دول اليوم.

الصورة الأولى التي تتضح عبر "المسألة الكردية" أن قادرة على تفجير الأزمات، وهذا الأمر ليس ناجما فقط عن محاولات "تغييب" الهوية فقط، بل لأن هذا الموضوع لا يمكن فصله عن طبيعة الصراع في الشرق الأوسط عموما، فهناك ارتجاج واضح في تقييم "الصراع" المنطقة، وحصره فقط بمسائل النفط، فجيوبولتيك نرتبط مباشرة بثروات المنطقة، مما يعني أن التواجد السكاني أمر حساس في هذا الموضوع، لكن الحلول التي اعتمدت عليها الاستراتيجيات الدولية منذ بداية القرن الماضي لم تخرج من إطار "الامتيازات"، رغم تعدد الآليات، فعند تضارب المصالح يتم اللجوء إلى الطبيعة السكانية، وإلى التعدد والتنوع للوصول إلى هذه الامتيازات.

وفي الموضوع الكردي فإن الصراع من أجل تأكيد "الهوية" وعلى الأخص في العراق كان متداخلا إلى حد كبير مع المصالح الموجود في هذا الأقليم، وأصبحنا أمام غلط مزدوج:

 فنموذج الدولة في الشرق الأوسط عموما لم يستطع الوصول إلى خلق "انتماء" واضح، وبقي الفرد ينتمي إلى جماعته الخاصة قبل ارتباطه بالدولة، ومن جهة أخرى فإن "الهويات الثقافية إن صح هذا المصطلح لم تجد سوى "التعبير السياسي" عن نفسها، بشكل زاد من حدة التناقض.

 الشأن الثاني أن المصالح الخارجية بقيت تنظر إلى مصالحها في المنطقة على أنها مترافقة مع "الأزمات" ، بمعنى آخر فإن إرث المراحل الاستعمارية الكولونيالية لم ينته بشكل كامل، على الأخص أن دول الشرق الأوسط بشكلها الحديث (بعد الاستقلال) ظهرت بإشراف الانتداب.

"المسألة الكردية" لا يمكن النظر إليها اليوم وفق إطار "الأزمات" أو الاختلال الاستراتيجي في المنطقة، فهي لا يمكن أن يتم تحديدها فقط في موضوع الصراع على المنطقة، لأنها في هذه الحالة تصبح كما نشهدها اليوم "مواقف" معلنة أو حتى تعويضا عن عدم القدرة عن الخروج من إطار التشابك مع الاستراتيجيات الدولية.