أعلنت المصادر الصحافية الإسرائيلية الخميس 25/10/2007، عن مصادقة وزير الأمن الإسرائيلي "إيهود باراك" على التوصيات التي اتخذتها اللجنة الأمنية الخاصة برئاسة نائبه "متان فلنائي" البدء في فرض وتطبيق العقوبات الجماعية على الفلسطينيين في قطاع غزة، التي تشمل خفض تزويد القطاع بالكهرباء بشكل تدريجي، لفترات قصيرة حددت ب 15 دقيقة، في البداية ويتم زيادتها من وقت لأخر حسب عدد الصواريخ محلية الصنع التي ستطلقها المقاومة الفلسطينية.

القرار الذي اتخذ يعني إظلام غزة، بقطع التيار الكهربائي عن السكان المدنيين، وفرض عقوبات جماعية جديدة على المدنيين الفلسطينيين، وتتمثل بخفض كمية البضائع، والمساعدات الإنسانية، التي تدخل عبر المعابر الفاصلة بين الدولة العبرية وقطاع غزة وإغلاقها لمدة غير محددة، والمغلقة أصلاً منذ أكثر من أربعة أشهر. القرار الإسرائيلي جاء بعد قرار الحكومة الإسرائيلية في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الماضي اعتبار قطاع غزة "كياناً معادياً".

وزير البنى التحتية الإسرائيلي "بنيامين بن العيزر"، في تبريره للقرار بإظلام غزة، قال: "إننا لا نفرض عقوبات على السكان المدنيين إلا من خلال دفع هؤلاء للضغط على حماس بإيقاف الصواريخ والهجمات "الإرهابية" على المدن الإسرائيلية، ولا توجد دولة في العالم تطلق النار على نفسها".

يأتي القرار الصادر عن الحكومة الإسرائيلية في وقت حذر فيه "جون هولمز" وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، من النتائج السلبية التي ستتمخض عن ذلك القرار الذي سيزيد الأوضاع الإنسانية المتدهورة أصلاً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تحدثت التقارير الصحافية الصادرة عن مؤسسات الإغاثة الإنسانية الدولية والمحلية، إن حوالي 1،1 مليون فلسطيني، الذين يشكلون 75% من السكان في قطاع غزة يحصلون على مساعدات غذائية من منظمات الأمم المتحدة، خاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" أونروا".

الحكومة الإسرائيلية التي تدعي أنها اتخذت القرار بقطع التيار حماية للإسرائيليين من هجمات المقاومة الفلسطينية، وهو وسيلة جديدة للضغط على الفلسطينيين للوقوف في وجه المقاومة لإيقاف العمليات الفدائية وإطلاق الصواريخ محلية الصنع على البلدات الإسرائيلية الحدودية. الفلسطينيون تعودوا على العقوبات الجماعية التي تفرضها عليهم دولة الاحتلال منذ طردهم من ديارهم في العام 1948، وكذلك العقوبات الجماعية اليومية التي تمارسها دولة الاحتلال بحقهم ليس في قطاع غزة بل في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهم يعيشون تلك العقوبات في كل لحظة.

تزامن القرار الإسرائيلي أيضاً مع اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت بالرئيس محمود عباس في بيت الأول في القدس المحتلة الجمعة 26/10/2007، الذي سعى من خلاله أولمرت للتوصل لاتفاق على وثيقة إعلان إطار عام قبل الذهاب "لاجتماع أنابوليس" الشهر القادم، وحسب المصادر الفلسطينية فإن الرئيس عباس طالب أولمرت بضرورة عدم فرض قطع المساعدات عن قطاع غزة، ووعد أولمرت عباس بعدم قطع المساعدات، وانه لن يتسبب في كارثة إنسانية.

الفلسطينيون على استعداد دائم للتكيف مع أي مشكلة تقع عندهم سواء كانت داخلية، أو خارجية مثل العقوبات الجماعية التي تفرضها دولة الاحتلال عليهم، أو داخلية مثل الاقتتال الداخلي الذي أوصلهم للسيطرة العسكرية على قطاع غزة من قبل حماس، واستمر أكثر من 18 شهراً، وقبل ذلك كانت الأراضي الفلسطينية شهدت ظاهرة الانفلات الأمني التي أودت بحياة المئات منهم و استمرت عدة سنوات، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة في صفوفهم إلا أنهم استطاعوا التكيف مع ذلك كل تلك السنوات الصعبة والحزينة، يوقف النزيف الذي لا يزال مستمراً حتى الان.

وبرغم صمودهم ومقاومتهم للاحتلال طوال سنوات عمره المستمرة، إلا أنهم مع الوقت يتكيفون مع كل شيء، وسوف يتكيفوا مع الحصار وتشديده أكثر بناء على القرار الإسرائيلي الجديد القديم بفرض العقوبات الجماعية وتشديدها، وعلى رأسهم السلطة الفلسطينية ممثلة بالرئيس، التي تتكيف مع كل إجراء إسرائيلي جديد تتخذه بحق الفلسطينيين، ولا تقاومه بل يتم الطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي أثناء اللقاءات بعدم فرض قطع المساعدات، وعدم إغلاق المعابر، والطلب برفع الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، وهم بذلك لا يدركون أنهم يعملون مع دولة الاحتلال على استمرار الاحتلال وإطالة أمده.

قطع التيار الكهربائي عن غزة ليس جديداً، على إثر عملية الوهم المتبدد التي نفذتها ثلاث فصائل فلسطينية العام الماضي، قامت دولة الاحتلال بضرب محطة توليد الطاقة الكهربائية الوحيدة في قطاع غزة، ومع ذلك تكيف الفلسطينيون مع العقوبات التي فرضت عليهم بقطع الكهرباء أكثر من ستة أشهر ولا يزالوا متكيفين مع استمرار انقطاعه التي لم تنته مشاكله بعد.

منذ التوقيع على أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، تعود الفلسطينيون على من يحمل مشاكلهم ويحلها لهم، إلا أنهم اكتشفوا مع الوقت أنها لا تستطيع أن تلبي الحد الأدنى من قضاياهم الوطنية والخاصة، ومع مرور الوقت تكيفوا مع فشل السلطة، وأجهزتها التي وصفت بالفساد، والترهل وسوء الإدارة في تحقيق مطالبهم اليومية. إلا أنهم تكيفوا معها 12 عاما من دون أن يتحركوا بشكل جماعي وحقيقي لتصحيح مسارها. إلا أن اندلعت الانتفاضة الثانية وبالرغم من الخلاف الذي لا يزال دائر بينهم على الآليات التي تستخدمها المقاومة ضد دولة الاحتلال إلا أنهم لم يستطيعوا الاتفاق على إستراتيجية وطنية مقاومة تحد من خلافهم وسهولة ضربهم وقمعهم.

الفلسطينيون الذين يدافعون عن قضية عادلة وقدموا ولا يزالون الغالي والنفيس وأبناءهم وممتلكاتهم لدحر الاحتلال عن وطنهم، أصبح لديهم الاستعداد على التكيف مع أي مصيبة تحل بهم، بدلا من مواجهتها والوقوف صفا واحدا لإيجاد حلول لها، والتخلص من المرض الخطير والمزمن الذي تسلل إلى داخلهم حتى أخذ ينخر فيهم من دون الأخذ بالأسباب والعلاج اللازم لذلك.

الحسم العسكري الذي نفذته حماس في غزة ودحر حركة فتح عن السلطة في القطاع لا تزال أثاره السلبية قائمة حتى الان. تكيف الفلسطينيون في القطاع معه بالرغم من الحصار السياسي والاقتصادي الخانق التي تفرضه دولة الاحتلال عليهم، وبرغم العلاقات الوطنية المتدهورة والانقسام الحاد بينهم من حقد وكره شديدين، وتدهور في العلاقات بين الأشقاء، لا يزالوا متكيفين مع الوضع الجديد الناشئ في قطاع غزة، من دون أن يقدم أي طرف من الأطراف الفلسطينية المتصارعة على اتخاذ خطوات دراماتيكية تخدم المصالح الوطنية العليا التي يتغنون بها ليل نهار، وبدلا من الاتفاق على صيغ وطنية جديدة تحقق وحدتهم وحماية قضيتهم من الضياع، يمضي كل طرف في طريقه من غير الالتفات إلى مصالح الناس وهمومهم المعيشية اليومية.

لقد أصبح التكيف مرضاً ظاهراً لدى الفلسطينيين. فهل سيستمر الفلسطينيين في التكيف مع الوضع الجديد في غزة، وسيطرة حماس عليه، واستمرار الانقسام بين شطري الوطن؟ وهل سيستمرون في التكيف مع العقوبات الجماعية الجديدة القديمة من قبل دولة الاحتلال؟ وإظلام غزة وخنقها وتجويعها؟ وهل سيستمرون في التكييف مع اللقاءات الدورية بين الرئيس عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت من دون تحقيق نتيجة تذكر، والتكيف مع أي نتائج تصدر عن اجتماع أنابوليس؟