ليس صعباً أن نقرر سبب نشوة أولمرت بعد اجتماعه مع ساركوزي. فبإمكانه أن يختار سبب النشوة من التماهي التام في الموقف من إيران واعتبار ساركوزي أمن إسرائيل خطاً أحمر وحتى وصف إسرائيل نفسها بمعجزة وقيامها بأهم حدث في القرن العشرين. هذه المرة بزّ ساركوزي حتى نفسه، وتفوق على ذاته، إذ جرف تيار الألفاظ الخارجة وعيه الباطني.
ربما كان قيام إسرائيل من لا شيء واستمرارها معجزة فعلاً، ومصدر معجزة بالعربية خلافاً للفرنسية هو من عجز، وجذر المعجزة الإسرائيلية هو العجز العربي. وكما أجاب موشي ديان عندما سئل خلال زيارة لفيتنام الجنوبية عن هذه المعجزة: «يساعد المرء أن يكون العرب أعداءه». ومع كل الاحترام للإعجاز الإسرائيلي العربي، لا يمكن قراءة قيام إسرائيل كأهم حدث في القرن العشرين، إلا عند من يرون المسألة اليهودية مركز العالم والتاريخ. وهو بالطبع لا يقصد أن يقول أهم حدث كارثي في القرن العشرين، بل أهم حدث سعيد، بما فيه من نكبات عربية. وتعبّر عن نفسها هنا لاسامية مقلوبة، يجمعها مع اللاسامية أن اليهودية في الحالتين هي مركز الكون.
تكمن المصيبة عند أمثال ساركوزي من اليمين الجديد في توافر علاقة سببية بين التماهي مع إسرائيل في الموقف من أعدائها وبين اعتبار قيام إسرائيل الحدث الأهم في القرن العشرين. والأرجح أن هذا دافعه للتماهي مع الموقف الإسرائيلي من إيران.
كان المحافظون اليمينيون الأوروبيون في الماضي متحفظين من إبداء الإعجاب الزائد بالمغامرة الصهيونية في الشرق. وربما رأوا وجهها الإيجابي الوحيد في إراحة أوروبا من تبعات المسألة اليهودية التي أخرجت من الحضارة الغربية أقبح ما فيها من عنصرية ونازية، وفي تصدير الإشكال برمته شرقاً. وربما ارتاحوا أيضاً، وخاصة بعد عام 1967، لفعالية هذه الأداة ضد القومية العربية التي وقفوا منها أصلاً موقفاً تشكيكياً معادياً. فقد هددت حلفاءهم التقليديين التابعين في الشرق، وهددت صورتهم الذهنية والحضارية عن الشرق المراوح بين التخلف المخيف والتخلف الساحر.
اليسار الليبرالي الغربي هو الذي وقف من إسرائيل موقفاً لاعقلانياً يصل حد اعتبارها معجزة. وقد كان مدفوعاً تارة باستثارة تأنيب الضمير الجماعي لأسباب داخلية سياسية وثقافية، وطوراً بمركزانية أوروبية اعتبرت الصهيونية تقدمية قياساً بالتخلف العربي، وثالثة بدعم اشتراكية ونقابية وعمالية الحركة الصهيونية في بداياتها، ورابعة بقرب رموزه من المسألة اليهودية قرابة حرفية، بالمعنى الشرقي للقرابة. ولا ننسى طبعاً أن جزءاً كبيراً من اليساريين من أصل يهودي في أوروبا تحرروا من مثل هذه القرابة إلى مواقف معادية للصهيونية وإسرائيل.
يأخذ اليمين الجديد عن اليسار الأوروبي الخفيف، إضافة إلى حب إسرائيل، مزايا عديدة تساعده في التفوق على اليمين القديم المحافظ في مواجهة تحدي عالم ما بعد الحداثة، وتعزز موقعه ضد اليسار نفسه، وذلك بالجمع بين مواقف يمينية في جوهرها وخطاب يساري، وخاصة في قضايا اللياقة السياسية وسياسات تمثيل الهوية. فسياسة ساركوزي المعادية للأجانب الفقراء في فرنسا هي التي تتقن أيضاً التغطي بتعيين نساء من أصل عربي شمال إفريقي في حكومته، وتجلب كوشنير بأسلوبه غير الرسمي والمتكلف لعدم التكليف إلى درجة التهريج ليطرح سياسته الخارجية اليمينية المحافظة.