المواجهات التي وقعت بين حركتي (حماس) و (الجهاد الإسلامي) بداية الأسبوع الماضي، ثم توقيع الاتفاقات التي تم التوصل إليها ثم خرقها الواحد تلو الآخر... أعادت غزة وأهلها وأعادتنا إلى حكاية إبريق الزيت (أو إبريق الدم) التي كانت حركتا (حماس و فتح) بطلاها في الأشهر الأخيرة الماضية، هذه الحكاية ملها الفلسطينيون وأحبطتهم وأساءت إلى صورتهم في كل محفل ومناسبة، وأدت إلى انقسامهم الحالي غير المقبول والذي يكاد يجعلهم- إن استمر- يكفرون بما آمنوا به وضحوا من أجله طيلة العقود الماضية.

المواجهات الحالية بين (حماس والجهاد الإسلامي) تحير المواطن الفلسطيني أكثر مما حيرته المواجهات السابقة بين حركتي (حماس وفتح)، والأسباب معروفة. فالمواجهات بين (حماس وفتح) كانت أسبابها تتلخص في الصراع على السلطة بين طرفين، اتضح في نهاية الأمر أن لكل منهما رغبة في الاستئثار بهذه السلطة على خلفية برنامج سياسي مختلف. أما المواجهات الحالية بين (حماس والجهاد الإسلامي) فلا يمكن أن توضع لها الأسباب نفسها، لأن لحركة (الجهاد الإسلامي) رأي في طبيعة هذه السلطة القائمة، وموقفها معلن وواضح تكرره دائما، وهي ترى أن كل ما يتم في ظل الاحتلال وتحت سقف (اتفاقية أوسلو) باطل لا يستحق التعاطي معه سياسيا. وهي اختلفت عن (حماس) لأنها لم تشارك في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ولم تقبل أن تشارك في (حكومة الوحدة الوطنية)، ودائما كانت تقول إنه ما دام الاحتلال للأراضي الفلسطينية مستمرا فإن المقاومة هي النشاط الوحيد المشروع والمطلوب ممارسته، وهو شكل التعاطي الوحيد الصحيح مع الاحتلال وقواته.

في ضوء هذه الحقيقة التي يعرفها الفلسطينيون جميعا، فإنه ليس من شيء يمكن أن يسيء لحركة (حماس) وموقفها وصورتها في أعين الفلسطينيين أكثر من اصطدامها مع حركة (الجهاد الإسلامي). لقد كان في استطاعة (حماس) أن تقول ما تشاء كأسباب لصداماتها مع (فتح)، وكانت بالتأكيد تجد قطاعا واسعا من الفلسطينيين يصدقونها ويقفون إلى جانبها في كثير مما تفعل، لكنها لن تجد أولئك عندما تصطدم مع (الجهاد الإسلامي). فالمرجعية الإسلامية للحركتين يفترض أن تقرب بين رؤيتيهما إن لم تجعلهما رؤية واحدة، وموقفهما المشترك من (اتفاقية أوسلو) وأسلوب المفاوضات عاملان آخران في تقريب المواقف ووجهات النظر بينهما، والأهم ربما تأكيدهما على أن المقاومة هي الأسلوب الأصح لمواجهة الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية. فلماذا تقع المواجهات والاشتباكات بينهما؟ يمكن ولا بأس أن تكون هناك اختلافات حول مسائل معينة، لكن أن يصل الأمر إلى المواجهات والاشتباكات وأن يقع القتلى والجرحى فأكثر من أن تبرره الخلافات بين طرفين يفترض أن ما يجمعهما أكثر وأهم بكثير مما يفرقهما.

كثيرون ممن تعتبرهم (حماس) خصوما لها سيرون في صداماتها مع (الجهاد الإسلامي) فرصة ثمينة للقول إن هذه الصدامات تؤكد صحة الاتهامات التي يوجهونها والتي سبق أن وجهتها حركة (فتح) لحركة (حماس) قبل وبعد الحسم العسكري الذي أقدمت عليه الحركة في قطاع غزة في حزيران الماضي. وقد يقول هؤلاء إن المبررات التي ساقتها (حماس) ضد (فتح) تبدو ساقطة ومكشوفة عندما تستعملها أو ما يشبهها مع (الجهاد الإسلامي) للأسباب التي ذكرناها قبل قليل. فليس للجهاد الإسلامي وجود في الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتآمر على (حماس)، وليس فيها تيار محسوب على الأميركيين أو الإسرائيليين يشرف عليه جنرال دايتون ويريد أن يبيع فلسطين أو القضية الفلسطينية، وليس لها رغبة في الحصول على حصة صغيرة أو كبيرة من كعكة السلطة المزعومة في رأيها. أما المراقب المحايد فقد يتذكر بعض ما كانت تقوله (حماس) أحيانا كأحد أسباب صداماتها مع (فتح)، حول محاولة منع ألأجهزة الأمنية في غزة عناصرها من القيام ببعض عملياتها العسكرية ضد قوات الاحتلال ومستوطناته، أو كشف هذه الأجهزة لهذه العمليات للعدو الإسرائيلي قبل أن تقع.

في الوقت نفسه، كثيرون في الساحة الفلسطينية أصبحوا يتشككون في نوايا (حماس) من حيث مواقفها الحقيقية من مسائل كثيرة مثل التسوية التي يجري الحديث عنها، والمفاوضات والزعم بأنها الخيار الحقيقي أمام الفلسطينيين، والأخطر من ذلك كله موقفها من العمل المقاوم المسلح وما إذا كانت تراه طريقا نضاليا استراتيجيا أو مجرد ورقة سياسية تدخلها الملعب. ويمكن لتكرار الصدام مع (الجهاد الإسلامي) أن يؤمن لهؤلاء ذخيرة جيدة يمكن استعمالها ضد (حماس).

إنني من موقعي كمواطن فلسطيني ساءته في حينه المواجهات التي وقعت بين (فتح وحماس) وما نجم عنها من نتائج وأوضاع، يحذر من العودة إلى الحكاية نفسها وينصح بوجه خاص قيادة (حماس) من استسهال ما يقع اليوم بينها وبين (الجهاد الإسلامي). إن قطاعات واسعة من الفلسطينيين تثمن للجهاد الإسلامي مواقفها الوطنية الثابتة التي تمسكت بها طيلة السنوات الماضية، كما تقدر لها الدور الوطني الذي جهدت للقيام به في السابق لتقريب وجهات النظر بين (حماس وفتح) لمنع الاقتتال بين إخوة السلاح ولحماية ما بقي من المشروع الوطني الفلسطيني، وتأمل منها إن لا تنجر إلى مواقع طالما أدانتها في السابق وأن تبذل جهودها لإعادة العلاقة بينها وبين (حماس) إلى ما كانت عليه قبل المواجهات الأخيرة. وعلى قيادة الحركتين أن تتذكر أن العدو الإسرائيلي هو المستفيد الوحيد من مثل هذه المواجهات.