نزاهة وموضوعية ودقة الدكتور محمد البرادعي الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحاصل علي جائزة نوبل للسلام مسألة ليست محل شك.

الرجل أثبت منذ تقلد موقعه علي رأس الوكالة أنه جدير فعلاً بهذا المنصب الرفيع وأنه أمين ومنصف وغير منحاز لأي بلد أو طرف، انحيازه الوحيد هو للحقيقة وللمعلومات الموثقة في مجال عمل وكالة الطاقة الذي يعتمد علي المعايير العلمية والتقنية الصارمة المنزهة عن الهوي والغرض والآراء والاستنتاجات.

في أزمة العراق التي انتهت بالغزو كان تقرير البرادعي النهائي أن بغداد لا تملك سلاحاً نووياً وأنها غير قادرة علي انتاج هذا السلاح، ولم تأخذ ادارة بوش بتقاريره العلمية القائمة علي بحث وتفتيش لأرض العراق ولم تكتف بذلك إنما بدأت شن حملة عنيفة ضده كادت تحرمه من إعادة انتخابه للمرة الثانية علي رأس الوكالة، ولولا نزاهة الرجل وتمسك الأوروبيين به لما كانت واشنطن رضخت للموقف العام داخل مجلس محافظي الوكالة المؤيد للتجديد له.

وفي الملف النووي الايراني فإنه يتعامل معه بعقل العالم وضمير القاضي لذلك لا يسير وراء الحملة السياسية الأمريكية علي طهران ويردد مثلها انها تخصب اليورانيوم لتنتج سلاحاً نووياً عسكرياً، هو لم يقل حتي الآن أن إيران تسير في هذا الطريق، لا مؤشرات قوية من داخل المنشآت والمواقع النووية الايرانية علي أن النية تتجه الي انتاج قنبلة نووية، علاوة علي أن الوصول الي هذه المرحلة المتقدمة جداً من دخول النادي حالياً في ظل الرقابة الدقيقة لأنشطتها النووية مسألة صعبة جداً.

ولم يسلم البرادعي من الهجوم الأمريكي الرسمي والإعلامي الساحق عليه عندما قال إنه ليس هناك ما يؤكد أن طهران تصنع سلاحاً نووياً وأن الحرب قرار غير صائب. الهجوم كان شرساً في الجانب الإسرائيلي حيث تعتبر تل أبيب نفسها المستهدف الأول من أي توجه ايراني لامتلاك النووي مع أن هذا ربما يكون غير صحيح وغير دقيق.

وأتصور أن البرادعي سيكون خلال الأيام المقبلة موضوعاً لانتقادات وهجمات اسرائيلية أمريكية بسبب إدانته للغارة علي سوريا واتهامه اسرائيل بأنها طبقت القانون بنفسها وتأكيده بأنه حتي اليوم لم نحصل علي أي معلومة حول وجود أنشطة نووية سرية في سوريا.

اسرائيل التي انتهكت السيادة السورية والقانون الدولي ونظام عمل وكالة الطاقة الذرية ومارست كالعادة بلطجتها في سماوات المنطقة وعلي دولة مهمة فيها تحاول بواسطة الإعلام الصهيوني الأمريكي نصب فخ عميق لسوريا وتوريطها فيه بادعاءاتها أن الغارة استهدفت نشاطاً نووياً سورياً قد تكون كوريا الشمالية تتعاون معها فيه.

وكل عدة أيام تخرج علينا صحيفة أمريكية أو بريطانية بجانب جديد من التورط النووي السوري المزعوم عبر نشر معلومات أو صور يتم تسريبها إليها عمداً من الأجهزة الإسرائيلية لحبك التهمة الكاذبة حول سوريا ليكون ذلك مبرراً للإيقاع بها تحت طائلة انتهاك القوانين الدولية والقيام بأنشطة نووية سرية بعيداً عن رقابة وكالة الطاقة وهذا له ما بعده من اختلاق ذرائع لاحتمال عقابها عسكرياً.

لكني أتصور أن تصريح البرادعي سيرفع الروح المعنوية لدمشق حيث أحرج تل أبيب وحشرها في الزاوية بمخالفتها نظام عمل الوكالة، فإذا كان لديها معلومات فقد كان واجباً عليها الاتصال بالوكالة وليس القصف ثم طرح الأسئلة بعد ذلك. نحن سعداء وفخورون بالدكتور البرادعي الذي رغم كونه مصرياً عربياً مسلماً إلا أنه إنسان عالمي يحظي باحترام وتقدير وثقة دولية بلا حدود.. لذلك هو جدير بالمنصب وبنوبل وبكل خير.

مصادر
الراية (قطر)