دخلت أزمة الاستحقاق الرئاسي في لبنان مرحلة شديدة التعقيد، مع تصعيد لغة الخطاب السياسي الداخلي وانسداد الأفق أمام المبادرات الداخلية للوصول إلى توافق للملف، وخصوصا مع “الاستراحة” التي دخلتها اللقاءات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري الذي التقى في القاهرة أمس الرئيس المصري حسني مبارك، واتهم جهات سورية بمحاولة اغتياله واغتيال رئيس الحكومة فؤاد السنيورة. وفشلت مبادرة البطريرك الماروني نصر الله صفير التي عقدت اللجنة الرباعية المنبثقة عنها أمس آخر اجتماعاتها في حث موارنة الموالاة والمعارضة على التوافق على لائحة أسماء مرشحة للانتخابات الرئاسية.

وفي هذه الأثناء، سُجلت عودة السفير السعودي عبد العزيز خوجة إلى بيروت لمتابعة البحث في كيفية مقاربة أزمة الاستحقاق الرئاسي، بعد غياب استمر نحو الشهر بعد تصاعد الخلافات السورية - السعودية حول الملف اللبناني، والتقى أمس السنيورة ثم بري. وأكد أن بلاده لا تقوم بمسعى جديد لمعالجة أزمة الاستحقاق الرئاسي الذي جدد تأكيد أنه شأن لبناني داخلي، وأن بلاده لا تتدخل فيه.

وقال إن السعودية تعمل للتوافق الداخلي اللبناني حول الاستحقاق الرئاسي، وقال إنه لمس من بري إصراره على التفاؤل بحصول انتخاب الرئيس في موعده الدستوري، وأنه سوف يكون للبنان رئيس جديد قبل هذا الموعد، ولفت إلى أن السعودية لا تقيم وزناً للأصوات المنتقدة لدورها في لبنان، ما دام قد تبرأ منها، بحسب وصفه، فريقا الموالاة والمعارضة، وشدد على أن بلاده على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية اللبنانية.

وأكد السنيورة أن حكومته ملتزمة احترام الدستور، وستقوم بما يلزم لإتمام الاستحقاق الرئاسي، وألمح إلى أنه لا يوافق على تعديل الدستور، وأكد أنه ليست هناك إمكانية دستورية للقيام بتأليف حكومة ثانية، ولا يمكن لا القبول بها لبنانياً ولا عربياً ولا دولياً. وقال إن اللبنانيين لا يريدون الخوض في ما سماها “مغامرات غير دستورية”، ودعا إلى العمل بكثير من الحكمة والروية والابتعاد عما يوتر الأجواء، لأن ليس هناك من مصلحة في ذلك، وأضاف أنه أمام لبنان أيام حاسمة ومهمة، و”علينا أن نشجع بعضنا على استعمال كل العبارات التي تسهم في التقريب والتوصل إلى اتفاق”.

وفي القاهرة، تحدث رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري بعد لقائه الرئيس المصري حسني مبارك عن وجود ما أسماها “معلومات” حول محاولات سورية لاغتياله واغتيال رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، ففي رد على سؤاله عما إذا كان مدير المخابرات العسكرية السورية آصف شوكت، وهو صهر الرئيس بشار الأسد، وراء مؤامرة في هذا الخصوص، قال الحريري “عندنا معلومات في هذا الشأن ونتابعها، وهي معلومات صحيحة، لكن الأجهزة الأمنية تعمل، وهناك تعاون بين الأجهزة الأمنية اللبنانية وأجهزة أمنية عربية أخرى بسبب محاولة الاغتيال ليس لي فقط، ولكن أيضا للرئيس فؤاد السنيورة”، وبذلك كشف للمرة الأولى أن هناك تعاوناً بين الأجهزة الأمنية العربية للتصدي لهذه المحاولات.

وقال مصدر في مكتب رئيس الحكومة اللبنانية أنه “أحيط علما” بالمعلومات التي كشفها الحريري في القاهرة حول مخطط لاغتياله واغتيال السنيورة، ورفض إعطاء تفاصيل إضافية.

وأفاد الحريري أن محادثاته مع مبارك تركزت حول “مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية والتدخلات التي تحدث من بعض الدول للحيلولة دون إجراء هذه الانتخابات”، على حد تعبيره، وقال ان مبارك “وعد بتحرك مصر واتخاذ إجراءات” من أجل منع “أي تدخل في الشأن الرئاسي اللبناني أو المساس باستقرار لبنان”. وأضاف أن الرئيس المصري “كان واضحاً وصريحاً للغاية في التأكيد على أن التدخل في الشأن اللبناني، خصوصا مسألة انتخابات الرئاسة هو أمر ممنوع، وأن مصر ترى أن أي تدخل في هذا الشأن أو أي مساس باستقرار لبنان يعتبر إخلالا بأمن مصر والأمن العربي”.

وعلمت “الخليج” أن القيادة المصرية “تنوي إرسال رسالة جازمة بشأن الاستحقاق الرئاسي اللبناني إلى الرئيس السوري بشار الأسد، قد تصل عبر القنوات الدبلوماسية، أو من خلال زيارة لرئيس المخابرات المصرية عمر سليمان إلى دمشق.

وجدد البطريرك الماروني نصر الله صفير تمسكه بنصاب ثلثي أعضاء مجلس النواب في جلسة انتخاب الرئيس، وحذر أمام زواره من تداعيات الانتخاب بنصاب النصف زائداً واحداً، ومن أن ذلك إذا حصل سيصبح عرفاً يحتذى به في كل مرة، بينما المطلوب أن ينتخب الرئيس بإجماع وطني أو بأكبر نسبة من الأصوات. وأخذ صفير، بحسب زواره، على الإدارة الأمريكية أنها لم تحدد موقفها من الاستحقاق الرئاسي، “فأحياناً يقولون لنا انهم مع الثلثين وأحياناً مع النصف زائداً واحداً، أو أنهم يؤيدون بقاء حكومة الرئيس السنيورة في حال الفراغ”.

وكانت الزيارة إلى دمشق التي قام بها الموفد الفرنسي الخاص بالملف اللبناني جان كلود كوسران وبحثه الاستحقاق الرئاسي مع المسؤولين السوريين محل متابعة دقيقة من قيادة فريق الأكثرية النيابية اللبنانية، وخصوصا مع اللقاء الذي سوف يجمع بين وزيري الخارجية السوري وليد المعلم والفرنسي برنار كوشنير على هامش اجتماعات دول جوار العراق الذي سوف ينعقد في اسطنبول.

وقالت مصادر قيادية في فريق “14آذار” إن الانطباع الفرنسي عن لقاءات كوسران في العاصمة السورية لم يكن جيداً، وأنه لا تقدم في الموقف السوري في مقاربة الاستحقاق الرئاسي، وأن كوسران لم يتلق أي تعهد سوري بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري.

وحسب المصادر فإن لقاء كوسران بنائب الرئيس السوري فاروق الشرع لم يكن جيداً، وتبدى فيه موقف سوري متصلب من مسألة مقاربة الاستحقاق الرئاسي، حيث سمع الموفد الفرنسي ما يشبه “التهديد” السوري بأن لبنان سوف يتحول إلى “حرب خنادق” إذا ما لجأ فريق الأكثرية إلى انتخاب رئيس بنصاب النصف زائداً واحداً. ولفتت المصادر إلى أن الشرع تقصد اسماع كلمة “خنادق” لضيفه الفرنسي، وأن الأجواء التي سادت لقاء كوسران والشرع لا تعكس بالضرورة التي عبّر عنها وزير الخارجية وليد المعلم، حينما أشار إلى تطابق سوري - فرنسي في مقاربة الملف الرئاسي لجهة انتخاب رئيس توافقي.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)