تجد بعضهم عند اشارات المرور يتسولون او يمسحون زجاج السيارات مع انهم في السن المناسب لدخول المدرسة، وبالرغم من ان هذه الظاهرة قد خفت الا انها مازالت موجودة وخاصة في المناسبات والاعياد ، وقد تجدهم يعملون في المقاهي او الافران مع ان التسرب من المدارس مخالف للقانون السوري. ويقول يامن وهو موجه تربوي: هذه الظاهرة لا تلقى اهتمام كبير من قبل المسؤولين وما زالوا لا يولونها الأهمية باعتبارها لا تتعدى كون المسألة موسمية أو ما زالت تحت نطاق السيطرة لكن واقع الأمر غير ذلك فالإحصائيات تشير إلى أن هناك 650 ألف طفل سوري قاصر في سوق العمل وهذه الإحصائية لا تشمل الأطفال المشردون أو الأطفال من أبناء الريف الذين يعملون في الحقول مع أهاليهم دون اجر ويحرمون من أبسط حقوق الطفولة وهي اللعب أيضاً ومحرومون من الخدمات والوسائل الترفيهية المتوفرة للطفل في المدينة .

والمشكلة في هذا الأمر أنه لا يوجد أي نقابة أو هيئة راعية للأطفال في سوق العمل سوى وزارة الشؤون الاجتماعية التي تقوم بالمسوح والدراسات وتعقد الندوة تلو الندوة مع الهيئات الأهلية الأخرى وكلها تبقى حبر على ورق وتبقى دون تنفيذ وإن نفذت تكون بشكل محدود لا يتعدى نطاق معين والمسؤولية لا تقع على عاتق الدولة وحدها وليس الفقر سبباً رئيسياً وراء هذا النزف الكبير في الطفولة إنما هناك المشاكل الاجتماعية الأخرى كطلاق لوالدين، أو موت أحدهما وخصوصاً الأب المعيل للأسرة وأهم عامل هو الجهل والأمية فالأب والأم الجاهلين تتكون لديهم قناعة بأن الطفل يجب أن يعمل منذ أن يتعرف ويعي الدنيا وأن يتحمل العبء مع أهله فيزجونه في العمل دون دراية منهم بتحطيم شخصيته وحرمانه من طفولته أيضاً هناك أهل هم من يدفعون أبنائهم إلى هذه المهاوي كالدعارة والتسول وغيرها كل ذلك في ظل غياب رقابة وقوانين صارمة وغياب الضمان الاجتماعي.

اما الشابة نورا فتقول : في نظر الجميع مازال هذا الأمر مقبول لدى المجتمع ولا يتعدى الحالات الفردية واعتبره الناس جزء من النظام المجتمعي العادي، وهذا ما أدى إلى تفاقم المشكلة وانتشارها على نطاق أوسع دون ضوابط أو حلول أو حتى دراسة وجعل من حلها أمراً صعباً والمشكلة أن الأمور ما زالت خارج السيطرة، الأطفال الذين يعتبرون ثروة الوطن ومستقبله تتعرض حقوقهم للانتهاك وبمزاولتهم لأعمال لا تتناسب مع أعمارهم ومؤذية من النواحي النفسية والجسدية ولم تقف عند حد المهن الشاقة بل مسائل أكبر كالتسول والسرقة والعبودية والاستغلال ومن هم متورطون بأعمال منافية للقانون وللأخلاق وأصبحوا عرضة للإغواء والشذوذ الجنسي وممارسة الرذيلة من صبيان إلى بنات، فقد أصبحنا في الآونة الأخيرة نرى فتيات صغيرات يمارسن أعمال كمسح السيارات والتسول والعمل في مطاعم صغيرة أو بيع العلكة والورد وبيع الجرائد وهؤلاء الفتيات هم عرضة للانخراط في شبكات الدعارة وعرضة للاغتصاب، طبعاً الفقر هم السبب الأساس وراء تلك الظاهرة وعدم وجود قوانين صارمة بحق أهالي المتسربين من المدارس أيضاً لو كان هناك ضمان اجتماعي من قبل الدولة لإعالة الأسر المحتاجة لما توسعت الفجوة وزاد عدد الأطفال الممتهنة حقوقهم.

واكد فائز وهو (مدرس) ان عمالة الأطفال سببها الأول الجهل والتفكك الأسري وقلة المعرفة عند الوالدين، والمشاكل الاقتصادية تأتي ثانياً البطالة وقلة فرص العمل وأيضاً مشاكل تربوية ناتجة عن النظام التعليمي وتسرب الأطفال من المدارس، فالطفل تلعب البيئة الذي ولد فيها الدور الأساسي في تربيته فإذا كانت الأم جاهلة والأب جاهل حتماً لن تتوفر للطفل تربية جيدة للنمو، وعادة ما تكون هكذا عائلات تعاني من الفقر ويكون عندهم عدد كبير من الأولاد لا يستطيعون تأمين لقمة العيش لهم وما زال الاعتقاد السائد بأن (الطفل يأتي ويأتي رزقه معه) هذا المثل الجاهل والخالي من أي منطق وتفكير يجتزؤنه لتبرير غبائهم ألم يقل لكم الله (أعقل وتوكل) فأين العقل عندكم إذا كان الأب لا يستطيع إعالة زوجته ونفسه فكيف بإعالة خمسة أو ستة أولاد، هل بتركهم في الشوارع يلتقطون رزقهم يكون قد أرضى ربه، ثم أن الاعتقاد لدى الأهل بأن الطفل إذا ما زج في العمل يتعود على المسؤولية ويحقق لنفسه ما عجزت المدارس والشهادات عن تحقيقه له دور كبير في عمالة الأطفال وكثير منهم تسألهم لماذا تركت المدرسة يقول (الشهادة لا تطعم خبزاً) والعمل أفضل من الحاجة، إذاً هناك موروث اجتماعي يدفع بالمشكلة إلى التفاقم ومن ثم غياب المحاسبة القانونية لجميع الأطراف المسؤولين عن حماية عمالة الأطفال بدءاً من الأهل إلى أرباب العمل الذي يستعمل معظمهم الأطفال كطعم للسرقة والتسول أيضاً ضعف الرقابة على المدارس وضعف العقوبة أو انعدامها في تلك الحالات.

اما سمر (مرشدة نفسية) في إحدى المدارس الخاصة فاشارت إلى اننا : عندما نشاهد أي برنامج أو أي مسلسل فأننا نعرض أبناء الأثرياء للتحدث عنهم دون أن نعرض معاناة الأطفال الفقراء وحاجتهم حتى عندما نتحدث بالعموم عن مستقبل الأطفال وكنز الوطن وغيرها فأننا نتمسك بالشعارات ونصور الأطفال جميعاً على أنهم من أبناء الطبقة الارستقراطية والمتوفر لهم كل ما يشتهونه، مع إغفال متعمد لما يعانيه أطفالنا في سوريا ومع إغفال متعمد لظاهرة عمالة الأطفال، وقد أصبحوا نسبة لا بأس بها فنحن نوسع الشرخ بين طبقة متوفر لها ما تحتاجه وطبقة أخرى تعيش على الفتات، فالفقر يهدم الأسرة التي تعتبر نواة المجتمع ويحد من قدرة الأسر على إعطاء أطفالها حاجاتها من الرعاية، والفقر الذي ينشأ الطفل عليه في الطفولة هو سبب جوهري للفقر في مرحلة الرشد، وهناك الطلاق واليتم والمشاكل الأسرية هي من العوامل الرئيسة في هدم الأسرة وتشتت الأطفال وبالتالي عمالتهم ليس فقط عمالة بمعنى الأجر إنما الانحراف الأخلاقي كممارسة الرذيلة والتهريب والمخدرات والسرقة...، ولو نظرنا إلى المشكلة برمتها لوجدنا مجموعة من العوامل المتضافرة أدت لتفاقمها فتقصير وسائل الإعلام والجمعيات الأهلية في التوعية ورفع مستوى الوعي والتثقيف لدى الأسر غائب ومحدود وبالتشديد والحالة الاقتصادية التي تفتك بالأسر دون أن توفر الدولة لهم أي مورد مادي فهذه الأسر كيف ستؤمن متطلبات المدارس لأولادها، وغياب المحاسبة لمن يتاجرون بهؤلاء الأطفال ويستغلونهم من حشاشين ومتسولين ومجرمين وهؤلاء هم من يستحقون المحاسبة والردع لذلك لا بد من وجود هيئة أو مؤسسة تقوم بحماية هؤلاء الأطفال ووضع حد لظاهرة أصبحت تهدد مجتمعنا.

مصادر
ايلاف