هل من المبالغ الافتراض أن الدين، أيضاً، وليس القومية المحاصرة فحسب، ما جمع الأكراد والإسرائيليين في حلف إقليمي عتيق، برز إلى الواجهة بقوة منذ الغزو الأميركي للعراق خاصة؟
كغالبية قوميات المنطقة، يضم الاكراد جالية يهودية كردية يعيش معظمها (تتفاوت التقديرات بين 50 ألفاً و120 ألفاً) في إسرائيل اليوم. ويذكر أن وزير الدفاع الاسرائيلي الاسبق (1996 - 2004) إسحق موردخاي هو كردي من مواليد العراق.
سعى الاسرائيليون منذ تأسيس دولتهم إلى التقارب مع الاكراد، بذرائع أنهم شعب بلا دولة، وقومية ضعيفة محاصرة ببيئة عدوانية، على غرار اليهود. لكن هذا التقارب سمح في الواقع لاسرائيل بالتغلغل في احدى اكثر المناطق العربية سخونة وحدودا ملتهبة. ويحمل الأرشيف صوراً قديمة للقائد الكردي التاريخي الملا مصطفى البرزاني وهو يعانق رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي الاسبق موشيه دايان (1953 ـ 1958)، أثناء إحدى الزيارات السرية المتبادلة بين مسؤولي كردستان وإسرائيل.
وبعد إعلان دولة إسرائيل، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات الاسرائيلية ـ الكردية، شكل الاكراد فيها جزءاً من «الاستراتيجية المحيطية» الدفاعية للفكر الصهيوني (تأمين حلفاء غير عرب) في المحيط العربي المعادي لإسرائيل. وأصبحت إسرائيل، منذ أواسط الستينيات، المصدر الرئيسي للسلاح والتدريب العسكري في كردستان في المواجهة مع القوات الحكومية العراقية. وتقدر تقارير عدة حجم عملاء الموساد والمدربين الاسرائيليين الذين انتشروا في شمالي العراق منذ حينه بالآلاف.
وتوّج الموساد نشاطه الكردي في العام ,1966 حين ساعد على تشكيل جهاز استخبارات كردي عرف بجهاز «الباستان»، وما يزال قائماً حتى اليوم.
في جميع الأحوال، سقطت السرية عن العلاقات الاسرائيلية ـ الكردية منذ الثمانينيات، حين أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن (1977ـ 1983)، أن إسرائيل أمدت أكراد العراق بالمستشارين العسكريين والأسلحة. وتواترت منذ الغزو التقارير الاعلامية الاميركية، والبريطانية، وحتى الاسرائيلية، تؤكد هذا التعاون العسكري، وبالصور والفيديو.
وفيما دعمت إسرائيل، وفق الباحث الارمني سيرغي ميناسيان، المنظمات الكردية الايرانية أيضاً (كـ«الاتحاد الثوري لكردستان»)، لأغراض استراتيجية وتجسسية، حرصت إسرائيل على إرضاء حليفها التركي، لدرجة تصنيف «حزب العمال الكردستاني» بأنه «لا يختلف عن الارهاب الذي تواجهه إسرائيل» (بنيامين نتانياهو).
لكن صدعاً في العلاقات الاسرائيلية ـ الكردية كاد يضرب الحلف التاريخي في العام ,1999 بعدما اتهم بعض الأكراد الموساد بالتورط في عملية اختطاف قائدهم عبدالله أوجلان في نيروبي، بعد طرده من سوريا. وقد سارع الموساد «المتكتم» عادة إلى نفي التهمة علناً.
وتجددت في الايام الماضية الاتهامات التركية لإسرائيل بانها توفر دعما لحزب العمال الكردستاني، ما دفع رئيس الحكومة ايهود اولمرت الى الذهاب للقاء رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في لندن، لنفي ذلك مجدداً.

مصادر
السفير (لبنان)