مجلة" نيويورك رفيو أوف بوكس" الامريكية نشرت في عددها الجديد بصورة صارخة وبارزة رسالة وقع عليها ثماني شخصيات مرموقة ووجهت لرئيس الولايات المتحدة جورج بوش ، الرسالة تحذر الرئيس الامريكي من المخاطر المترتبة على فشل قمة أنابوليس.
الموقعون يقترحون على بوش تبني عدة توصيات تبعد سياسة واشنطن عن الخط المتبع اليوم من اجل إزالة الخطر المحدق الذي يتوقعونه ، وهذه التوصيات موجهة للادارة الامريكية وللحكومة الاسرائيلية على حد سواء مع فوارق بسيطة ، وبين الموقعين كل من زبيغنيو بريجنسكي ، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر ، ولي هاملتون ، الرئيس الأسبق للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس ، وبرنت سكوكروفت ، مستشار بوش الأب للأمن القومي ، والسفير السابق في اسرائيل توماس بيكرينغ.
الموقعون على الرسالة يرون في قمة أنابوليس فرصة حقيقية للتقدم نحو حل الدولتين ، انهم يعتقدون أن الشرق الاوسط غارق في أزمة خطيرة جدا ، وأن المؤتمر الذي ينتهي بصورة ايجابية قادر علي لعب دور حاسم في كبح عدم الاستقرار والعنف ، كما يعبرون عن اعتقادهم بأن على المؤتمر أن يتناول جوهر التسوية الدائمة ، وأن انعدام القدرة على التوصل الي تسوية شاملة قبل نهاية تشرين الثاني ، يستوجب تبني خطوط التسوية الدائمة ، فاذا لم ينجح الاسرائيليون والفلسطينيون في التوصل الي هذه التسوية ، سيكون على الرباعية الدولية أن تطرح تصورها الخاص للحل الذي يرتكز على قراري 242 338و وخطة كلينتون (كانون الاول 2000) وخريطة الطريق (2003).
وجوهر هذه التسوية هو التقسيم لدولتين على أساس خطوط الرابع من حزيران 1967 مع تبادل للاراضي بنسبة 1: 1 ، وأن تكون القدس عاصمة للدولتين ، وحل مشكلة اللاجئين بطريقة تتلاءم مع مبدأ الدولتين وتستجيب للظلم العميق الذي لحق باللاجئين الفلسطينيين وتساعدهم في التعويض وإعادة بناء أنفسهم.
والتوصيات التي تظهر في رسالة الثمانية والافتراضات الأساسية التي تقوم عليها المبادرة ، ليست مفاجئة ، فالمبادرون يختلفون مع سياسة ادارة بوش في الشرق الاوسط منذ سنوات عديدة ، والرسالة مطروحة باعتبارها مشروعا مشتركا بين مشروع الولايات المتحدة في الشرق الاوسط و "م.ض" ، الشركة التي يرأسها برنت سكوكروفت وهنري سيغمان وبين مجموعة الازمات الدولية .
احتمالات تأثير رسالة الثمانية تلك علي سياسة ادارة بوش قليلة ، فالادارة متحمسة ، لاسبابها الخاصة ، لانهاء قمة أنابوليس بنجاح ، وهي ليست معنية بالتأكيد بفشل جديد صاخب في الساحة الشرق اوسطية. وأهمية الرسالة تكمن في سياقين آخرين ، الاول ، هو المساعي المبذولة لبلورة جدول الاعمال الامريكي لمرحلة ما بعد بوش قُبيل الانتخابات الرئاسية ، وليست هذه التجربة الوحيدة المبذولة في هذا السياق ، فهناك مراكز وهيئات اخري تعكف علي اعداد تقارير خاصة بها حيث يتطلع الجميع للعودة الي نجاح تقرير برولينغز غير المسبوق الذي أُعد في عام 1976 وتبنته ادارة كارتر في سياستها الشرق اوسطية. بعد الانتخابات بيوم واحد ستبدأ المنافسة لاقناع الرئيس الجديد ـ أو الرئيسة ـ بأنه لا يوجد خيار أفضل من التنصل من تركة بوش لاحداث تغيير معمق في السياسات الشرق اوسطية.
السياق الثاني لاعداد رسالة الثمانية هو تآكل مكانة اسرائيل المتواصل في الولايات المتحدة ـ ليس في استطلاعات الرأي وتصويتات الكونغرس فقط ، وانما في فقدان الخط الاخلاقي ، والتغيير الذي طرأ على مكانة اسرائيل كدولة جذابة ومحقة في الماضي الى وضع جديد اليوم ، والتعبير الصارخ على ذلك هو الصدي الذي لقيه كتاب جيمي كارتر مؤخرا وكتاب وولت وميرشهايمر الأخير حول اللوبي الاسرائيلي ، الكتابان لم يوجها الانتقادات لسياسة اسرائيل فقط ، بل شككا بشرعيتها ، والانتقادات التي وجهت للكتابين لم تمنع حصولهما على الأصداء والاهتمام ، والمؤلفان يظهران أمام الناس في كافة أرجاء الولايات المتحدة ، ورسالة الثمانية هي حلقة اضافية في هذه السلسلة.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)