سيعترض الكثيرون على ارتفاع أسعار المحروقات، فالإرهاق المعيشي لا يحتاج إلى زيادة إضافية في الإنفاق، ومن الطبيعي أن نشهد ولعدة أيام حديثا متصاعدا حول ما ستتركه هذه الخطوة على مستوى المواطن، وربما تعهد الحكومة إلى زيادة بعض التعويضات، أو دراسة إمكانية رفع الرواتب والأجور لاستيعاب ما سيحدث.

لكن مسألة البنزين، وليس رفع الأسعار، يمكن أن تدفعنا إلى النظر بمسائل إضافية متعلقة بطبيعة تعاملنا مع الطاقة، فحتى اللحظة ما يزال هناك نوع من "الشره" في استخدامها بينما لم تنجح حملات التوعية، وعلى الأخص ما ظهر منها في الصيف من الحد من هذا الأمر... والطاقة ليست استثناء، فحتى المياه والبيئة وغيرها من مقومات حياة الأفراد لم تدخل في البعد العام لوعينا بـ"احتياجات" حياتنا.

رفع سعر البنزين لن يحد من نوعية الاستهلاك لا كما ولا مضمونا، ورفع سعر الكهرباء أيضا لا يتوقع له أن يقدم أي معطيات جديدة في مسألة تعاملنا مع الطاقة، فحملات التوعية، لا يمكنها أن تتجاوز "ثقافة" المواطنة التي يبدو أنها في أفضل حالتها لدينا لا تتدعى "المواطنة السياسية" عند بعض النخب.

بالطبع فإن رفع سعر المحروقات مهما تم تأجيله سيحدث عاجلا أم آجلا، فنحن نشاهد الاتفاعات القياسية لأسعار النفط العالمية، وسورية ليست دولة بعيدة عن التأثر حتى لو امتلكت ثروات طبيعية، وعملية الزيادة لا تحتاج في بعض الأحيان إلى الحديث عن تبريرات، بل ربما عن الحديث حول "التكيف" مع واقع الطاقة كما يحدث في معظم أرجاء العالم. فنحن نعيش في مدينة ربما تعيش في مراحل "ما قبل ثقافة" الطاقة الحديثة، وتكفي مشاهدة أكداس السيارات في الطرق لنعرف أننا لم نشعر حتى اليوم أن المواصلات كمستهلك أول للطاقة تحتاج إلى ثقافة وعمران مختلف عما نشهده أمامنا.

سيكون من السخرية اليوم طرح بدائل لزيادة أسعار المحروقات، مثل استخدام الدراجات كما يحدث في باريس، أو استخدام الطاقة الشمسية في وقت لا نجد مكانا خاليا على أسطح البنايات المتخمة بصحون "الستالايت"... فعندما تصبح المدينة نوعا من التمازج العشوائي للقرون الوسطى وآخر ما شهده عصر الاتصالات فإننا سنقف أمام أي إجراء حكومي مكتفين بالاعتراض.

السؤال اليوم هل يمكننا امتلاك قرار استراتيجي بحق المدينة، أو ثقافة المدينة، أو تأسيس هذه الثقافة وبناءها من جديد.. إنه سؤال لن يخفض أسعار البنزين، وهو ليس إجراء بديلا لكنه ربما يدخلنا إلى "المدينة" بمفهومها المعاصر، بدلا من أن نبقى قي تجمعات تشكل خليطا ما بين الأرياف وأحزمة الفقر ومنشآت أو نتائج الثقافة المعاصرة.