لم يكن انتظار فيلم (حليم) ناتج عن التعلق بتراث عبد الحليم حافظ بقدر ما كان انتظارا لمشاهدة النجوم السوريون وهم يعملون في فيلم مصري، فالكثرة الكاثرة من جمهور مهرجان دمشق السينمائي هم من الشباب الذين لم يكونوا موجودين أيام عبد الحليم حافظ كمطرب رومانسي أو لم يكن عبد الحليم بالنسبة لهم مطرب خارق كما يزعم محبيه، وفي كل الاحوال كان من المتوقع أن يشاهدوا فيلما عن البهجة والغناء والفن كما اعتادوا مشاهدة هذا النوع في الأفلام الأجنبية. ولكن الفيلم خيب توقعاتهم الى حد بعيد، فالفيلم كان يرصد رأي ومشاعر وتأريخ كاتبه في تلك المرحلة، أكثر منه رؤيا فنية تعطي للفن والفنان هالة من البهجة أو حتى التعرف على المسائل الشخصية الانسانية التي تواكب الفنان خلال مراحل عطائه.

ظهر عبد الحليم وكأنه نتيجة للمرحلة السياسية وفوران الشعارات التي اصبح الجمهور فيها خبيرا، بحيث بدا الكاتب وهو يدافع عن عبد الحليم على اساس اتهام مستحضر من تلك المرحلة أن عبد الحليم كان مطرب السلطة التي دعمته وساهمت في شهرته (طبعا لهذا الاتهام جذور في ادبيات المرحلة وأقوال المطربين المنافسين) .. المهم أن الفيلم بدا مكبلا برومانسية كئيبة تستحضر تلك المرحلة من تاريخ مصر بحسرة والتي سميت بالناصرية حيث جعلها الكاتب مرحلة معيارية للأداء الوطني والوعي القومي مما حول الفيلم ضمن هذه الصيغة الدفاعية الى وسيلة ايضاح تدلي بشهادتها أمام جمهور تريد افهامه اكثر مما تريد امتاعه .

الضعف الاساسي الذي عانى منه الفيلم هو انفصال الخطوط الدرامية فالخط الوطني منفصل تماما عن الخطين الآخرين المنفصلين عن بعضهما وهما خط العشق وخط العلاقات الفنية في محاولة لإسباغ صيغة وثائقية على الفيلم حتى ولو تمت المغامرة بالمتعة، خصوصا في المشاهد المسيسة التي بدت وكأن شخصياتها مؤلفة من قديسي الثورات وليسوا من لحم ودم ومصالح.

لم يكن عبد الحليم مفهوما وانما مقررا على الرغم من محاولة التوثيق ، لذا كان الجمهور الشاب مستغربا من صيت عبد الحليم الرومانسي ومن مقدرته على تفهم التجديد في الموسيقا وحتى مستغربا من تقييم الأجيال التي استمعت اليه فالفيلم عرض لواحد من قديسي ثورة.

على التوازي لم تكن سلاف فواخرجي على سجيتها الابداعية فبدت مكبلة ومحايدة في اكثر مشاهدها مع انها هي البطلة المطلقة لهذا الفصل من الفيلم، حيث بدا دورها ثانويا بالنسبة للفيلم ككل، اما جمال سليمان فبدا موفقا وخبيرا في شغله على شخصية مقدم البرامج حيثة انطلق الخطوط الثلاثة منه . اما المرحوم أحمد زكي فلم يكن في القه المعهود فقد آذاه المرض وأحزننا عليه .

لم تذهب فرصة كتابة وانتاج فيلم ثان عن عبد الحليم حافظ، فالفيلم الذي شاهدناه هو عن مرحلة زمنية يراها المؤلف بشكل شخصي وخاص ولم يكن عبد الحليم سوى حامل ثانوي لفكرة لم تستطع أن تحتمل الدراما بمعناها الانساني .