المواطن كمال ابو طه 21عاماً، من مدينة رفح اكتشف الأطباء قبل ثلاثة أشهر انه مصاب بسرطان الأمعاء ونظراً لخطورة وضعه الصحي حيث فقد ثلث وزنه، قرر الأطباء المشرفون على علاجه انه بحاجة للعلاج في الخارج لعدم توفر الأدوية والعلاج اللازم لوضعه الصحي في مستشفيات قطاع غزة. وبتاريخ 18/10/2007، بعد حصوله على تحويله للعلاج في مستشفى " تل هشموير" الاسرائيلي، توجه المريض في سيارة إسعاف برفقة والده البالغ من العمر 52 عاما، إلى معبر " إيرز" وبدلاً من إدخال المريض تم إدخال والده للتحقيق معه، وبعد ساعة ونصف من الانتظار طلب الجنود الإسرائيليين من سائق سيارة الإسعاف العودة إلى غزة وبقي الوالد معتقلاً. وبعد عشرة أيام كرر ذوو المريض المحاولة مرة أخرى وبعد عناء وانتظار طويل تم السماح للمريض بالوصول إلى مستشفى " تل هشموير "إلا انه أعلن عن وفاته صباح اليوم التالي.

أبو طه واحد من ألف مريض فلسطيني في قطاع غزة بحاجة للعلاج في الخارج وينتظرون السماح لهم المرور عبر المعابر المغلقة منذ نحو خمسة أشهر، هذا عدد المرضى المصرح به، والذين تقدموا للحصول على تصاريح المرور، ربما يزيد عددهم على الآلاف الذين ينتظرون الموت البطيء بتصاريح مرور إسرائيلية. الحصار وسيلة عقاب جماعي قديمة جديدة تستخدمها سلطات الاحتلال ضد السكان المدنيين في قطاع غزة المحاصر ليس منذ خمسة أشهر بل منذ العام 2000، وتتعامل السلطات الإسرائيلية مع الحاجات الضرورية للفلسطينيين في القطاع حسب حاجاتها الأمنية.

ولأن الأمن أكثر قداسة من حياة المرضى الفلسطينيين للدولة العبرية، فهي تعود مرة أخرى للطلب منهم أن يلتزموا بالتعهدات التي قطعوها على أنفسهم ويجب عليهم الالتزام بخارطة الطريق وتحقيق الأمن لإسرائيل، وما عودة التعاون والتنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية في الضفة الغربية، بعد سيطرة حماس على قطاع غزة ما هو إلا الطريقة الوحيدة التي ترى فيها إسرائيل وأجهزتها الأمنية الفلسطينيين، وعلى الفلسطينيين العمل على الحفاظ على أمن دولة إسرائيل.

الفلسطينيون يموتون وينتظر كثيرون منهم الموت لان الحكومة الإسرائيلية ممثلة بجهاز الأمن العام " شاباك" يمنعهم من الحصول على التصاريح اللازمة للسفر وتلقي العلاج، الحكومة الإسرائيلية تشدد كل يوم الحصار على قطاع غزة وتمنع دخول أي شيء إلا بإذنها وما يتم السماح بدخوله عبر المعابر المغلقة من مساعدات إنسانية، ومواد غذائية وبضائع ووقود، لا يسد احتياجات السكان المدنيين التي انقلبت حياتهم إلى جحيم، وهم بانتظار الأسوأ.

يجري ذلك والوفد الفلسطيني المفاوض لا يزال مستمراً في إجراء المفاوضات للتوصل لإعلان اتفاق على وثيقة يتم الذهاب فيها إلى الاجتماع الإقليمي في "أنابوليس " نهاية الشهر الحالي حسب المصادر الصحافية الإسرائيلية التي نقلت ذلك عن رايس، المفاوضات التي تجرى بين أبو علاء و تسيفي ليفني حسب الأخيرة لن يتم الاتفاق على شيء إلا بعد التزام الفلسطينيين بتعهداتهم في خارطة الطريق وتطبيق الجزء المتعلق بالحفاظ على امن إسرائيل.

ما يصدر عن أولمرت وليفني فانه لن يتم البحث في قضايا الحل النهائي، إلا بعد تحقيق الأمن لدولة إسرائيل، وربما لن يتم البحث، والمثير للاستغراب أن القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس عباس لا زالوا يتحدثون عن تقدم في المفاوضات وكلهم ثقة بان يتم تحقيق شيء في أنابوليس، ويطلبوا من الإسرائيليين تقديم بادرات حسن النية من إفراج عن أسرى ورفع حواجز في الضفة الغربية وكأن القضية الفلسطينية هي تقديم بادرات حسن نية لم تأت بعد، وربما لن تأتي أبداً.

مصادر صحافية إسرائيلية تتحدث عن نية أولمرت تقديم بعض بادرات حسن النية من إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، تحدثت أيضا عن موافقة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس على معظم المطالب الإسرائيلية المتعلقة ببدء المفاوضات، خاصة ما يتعلق بالتزامات الفلسطينيين بالحفاظ على امن إسرائيل وتغيير واقعهم الداخلي وتطبيق خارطة الطريق.

رايس الموجودة في إسرائيل التي يرافقها في زيارتها عدد كبير من المسؤولين والمستشارين في الإدارة الأمريكية، أمثال ستيف هاندل، واليوت أبرمز، وغيرهم الذين شاركوا في "مؤتمر سابان" والذي عقد هذا العام في إسرائيل خلال الأيام الأخيرة، قالت في كلمتها أمام المؤتمر أن عباس شريك في العملية السلمية وبالرغم من انه لا يمتلك القدرة دائما فإنه يبدي رغبة في مكافحة الإرهاب.

على إثر انتهاء اللقاء الذي جمع أولمرت و رايس تحدثت مصادر صحافية إسرائيلية، أن الاثنين اتفقا على إلا يعرض البيان المشترك مع الفلسطينيين أي من مسائل المتعلقة بالحل النهائي، " الحدود، القدس، واللاجئين" ولن يكون جدول زمني ملزم وكل تسوية تتحقق ستطبق حسب خارطة الطريق. وكذلك اتفقت ليفني و رايس، حيث قالت الأولى خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رايس على أن إقامة دولة فلسطينية يجب ان يكون فقط بعد تحقيق الأمن لإسرائيل.

الأشهر القليلة الماضية شهدت سباقاً ماراثونياً في اللقاءات بين الرئيس عباس ورئيس وزارئه سلام فياض، والطاقم المفاوض من جهة، وأولمرت ومسؤولين إسرائيليين، وقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من جهة اخرى، وفي وقت كان وما زال الرئيس عباس يتحدث عن تفاؤله، وعبر عن ذلك عندما قال ان إقامة الدولة الفلسطينية ستكون في نهاية العام 2008، كان يطل علينا مسؤولون إسرائيليون وعلى رأسهم أولمرت من انه لا يوجد تقدم في المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين.

الفلسطينيون أظهروا تفاؤلاً من اللقاءات الثنائية والسرية، ثم عادوا يتحدثوا عن تعثر في المفاوضات وتعنت الجانب الاسرائيلي، والطلب من رايس بان تتضمن الوثيقة المنوي التوقيع عليها مع الاسرائيليين، قضايا الحل النهائي ومعها قضية الأسرى، وعاد الإسرائيليون على التأكيد والطلب من الفلسطينيين الالتزام بتعهداتهم الأمنية في خارطة الطريق. وعلى الرغم من ذلك يصر الفلسطينيون على عقد اللقاءات الأمنية مع المسؤولين الاسرائيليين التي كان أخرها أمس الاثنين حيث التقى فياض وزير الأمن إيهود باراك في القدس حيث جدد الأخير مطالبته للفلسطينيين الالتزام بتعهداتهم الأمنية.

المفاوضات تراوح مكانها وتتكشف يوماً بعد يوم النوايا الإسرائيلية من طريقة الحل للقضية الفلسطينية ولاجتماع أنابوليس، والفلسطينيون الذين عادوا عن تفاؤلهم لا يزالوا مصرين ومقتنعين ان الجانب الاسرائيلي برغم التصريحات المتكررة التي يطلقها المسؤولون من انه لن يكون أي تقدم في العملية السلمية قبل ان يفي الفلسطينيون بالحفاظ على امن دولة إسرائيل، من دون النظر للاحتياجات اليومية للفلسطينيين خاصة في قطاع غزة الذين تتم مساومة مرضاهم في العلاج مقابل الأمن، حتى لو ماتوا جميعاً.