اعتادت ادارة مهرجان دمشق السينمائي على اقامة الندوات الحوارية كنشاط ثقافي موازي لفعاليات المهرجان وكخطوة تتبع عروض افلام المسابقة حيث تدور حوارات تفيد الفلم وقد تضر به ( خصوصا اذا كان نطاقا بالعربية ) حسب المحور الذي يتراكم عليه النقاش الذي غالبا ما يكون حماسيا تقييما ومواقفيا وأكثر هذه المحاور حضورا هو موضوعة الفيلم حيث يتبارى ( المديحة والقديحة ) على اعلان المواقف والضغط على اعطاء علامة أخلاقية أو ايديولوجية للفيلم تحت ما يسمى مداخلات ، المهم ان الجمع ينفض وكأن الذي جرى ماكان الا في اذهان المخريجين الذين يناقشون مسترجعين بعض المداخلات اما بغضب أو بعداوة أو بتشكر وامتنان لا يرقى الى مستوى الرأي ولكن الاستفادة من الاراء تبدو معدومة في اعمالهم اللاحقة .

في هذا العام بدأت بواكير انعدام صالة السينما أي مشاهدة الافلام بشكل اجتماعي ..بدأت بالظهور على شكل اداء خطابي مفتت ومتثاقف ما يثبت افتقارنا الى الثقافة السينمائية كفن مستقل أو افتقارنا الى الناقد السينمائي الذي يستطيع انتاج مادة نقاشية او حوارية يحتاجها النظارة ، هؤلاء النقاد مفقودون في الوسط الثقافي السوري ان كان على صعيد التأسيس لأتجاهات نقدية مكتشفة او مقلدة ، ولا على صعيد النقد الاجرائي المتابع للحراك السينمائي والذي يتلخص بتوجه الناس الاجتماعيين الى السينما ومشاهدة الافلام ، وهنا بدت الندوات اللاحقة لعرض الافلام كحلبة تذاكي كلامية لا تكتمل فيها اية دائرة .

في نفس الجلبة التي اسمها ندوة الفيلم ( وكأنها لا زمة اجبارية ) تبدو موضوعة الفيلم هي وحدها محور النقاش ليهبط الحوار في مستواه المعرفي الى حوار عادي يستطيع اجرائه أي متلق حضر الفيلم مشكلا رأيا عنه بشكل اتوماتيكي..حيث يتداخل الاخلاقي بالفني والابداعي بالتربوي والتقني بالذوق الشخصي .انها دردشة تثير الغضب او الحبور يتلقفها الصحفيين كمادة للنشر دون أن يدورا مدى مساهمتها بتراجع رؤيتهم للسينما والافلام ..

هذه الدورة الخامسة عشرة اختصت بحالة جديدة اسمها رولا كيال والمعينة من قبل ادارة المهرجان كمديرة للندوات ولكنها مصرة على تحويل موقعها الاداري البحت الى منبر شخصي تلقي من ( عليائه ) رؤيتها التحليلية القاطعة والنهائية على اسماع المنتدين ، وكأن هذه الندوات ( ينقصها ) . ما أثار حفيظة المنتدين الذين شعروا بالحصار والمصادرة ( خصوصا مصادرة وقت الندوة ) وربما بالافتراس فمديرة الندوة رأت وعلى طريقة ( طباخ السم يذوقه ) ان لها الحق في اسر مجموعة من البشر لقراءة ابداعاتها النقدية على رؤسهم بشكل اجباري بدلا انت تنشرها في صحيفة وللمرء الحق في قرائتها او اهمالها ..لتبدو الندوة والمنتدين كأقطاعة شخصية لها تمارس عليهم صنوف التربية والتعليم .

ربما كانت الندوات مناقل نشاطات المهرجان تكلفة تحضيرية فهي ( تشيل ) ذاتها بذاتها في حال حضر منتدون ...

هذه الدورة ونتيجة لتهافت الندوات نبهت الى ان الندوات هي مسألة أعقد وأهم من هذه الارتجالات المكتوبة والشفهية ، وتحتاج الى امكانيات اكبر من كاريزما متوهمة .