أنتج اليوم الفرنسي الجديد في لبنان ميلاً محدوداً الى التفاؤل، كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أثناء زيارته التي انتهت ليلاً، بعد حركة مكوكية شملت القوى السياسية كافة، في مسعاه لضمان تنفيذ آلية لوضع لائحة مرشحين توافقيين لرئاسة الجمهورية، محورها البطريرك الماروني نصرالله صفير، آملاً بأن تحصل الانتخابات الرئاسية في الجلسة التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في 21 الشهر الجاري، اليوم «الذي سيفتح (بري) فيه مقر البرلمان».

وفيما أعلن كوشنير ان البطريرك صفير «لم يرفض ابداً» فكرة وضع لائحة مرشحين توافقيين، يختار البرلمان منهم واحداً، بعد جوجلة الأسماء بين بري وزعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري، قالت مصادر مطلعة ان هذا «لا يعني ان صفير قال نعم للفكرة حتى الآن، لأن المسألة ما زالت مرتبطة بالضمانات التي يصر عليها بالتزام المعارضة، خصوصاً الأخذ بأحد أسماء اللائحة وبإجراء الانتخابات الرئاسية، بعد قيامه بوضع اللائحة وبعدم التذرع بعجز الفرقاء على اختيار واحد منها».

وفي وقت أكد كوشنير ان المجتمع الدولي «ينظر الى لبنان وسيركز نظره عليه الأسبوع المقبل»، مشيراً الى انه سيعود الى بيروت الاثنين المقبل أي قبل يومين من الجلسة النيابية لانتخاب الرئيس، قالت مصادر رسمية ان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون الذي اتصل أمس بكل من بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة سيزور بيروت غداً الخميس، فيما سيزورها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بعد غد الجمعة، آتياً من دمشق التي يجري فيها غداً محادثات مع القيادة السورية حول الوضع الإقليمي وموضوع لبنان.

وعلمت «الحياة» ان كوشنير أوضح لعدد من القيادات التي التقاها امس، انه في حال وضع صفير لائحة بخمسة مرشحين توافقيين، ينبغي إبقاؤها سرية وعدم التداول فيها في الإعلام لحماية خطوة البطريرك والحؤول دون ان يجهضها متضررون منها.

وقالت مصادر واكبت محادثات كوشنير ان تداعيات خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي ناشد فيه الرئيس اميل لحود التهيؤ لخطوة إنقاذية في حال الفراغ الرئاسي، حضرت خلال محادثات كوشنير في بيروت، نظراً الى «لهجته العالية وما سببه من تشاؤم». وأسف كوشنير في تصريح له «لسماعي منذ يومين اصواتاً تهديدية ترتفع» من دون ان يذكر نصرالله بالاسم.

وزار وزير الخارجية الفرنسي صفير ثم زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري، وبري والسنيورة، ثم التقى الرئيس السابق أمين الجميل، فرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والوزير السابق سليمان فرنجية في مقر السفير الفرنسي في بيروت ثم زار زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون في منزله قبل ان يعود ويلتقي صفير مساء، ومن ثم اجتمع ثانية مع الحريري، وعقد موتمراً صحافياً قبل مغادرته بيروت ليلاً.

وقالت مصادر لبنانية واكبت لقاءات كوشنير ان خطاب نصرالله أقلق الجانب الفرنسي على رغم التوضيحات التي وردت في الساعات الماضية على لسان مسؤولين في الحزب للموفد جان كلود كوسران الذي رافق كوشنير أمس وبقي في بيروت ليلتقي اليوم الوزير المستقيل محمد فنيش ومسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» نواف الموسوي.

ونقلت المصادر ذاتها عن كوشنير قوله ان فرنسا «أجرت فور انتهاء نصرالله من خطابه اتصالات بمسؤولين سوريين وإيرانيين بارزين محمّلة إياهم مسؤولية مباشرة في حال كانت لمواقفه تداعيات سلبية يمكن ان تعيق تقدم المبادرة الفرنسية لإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان في موعدها، خصوصاً ان لدى صفير رغبة في ان يرفع لائحة بأسماء المرشحين، وأنه باشر خطوته الأولى في هذا الصدد عبر إيفاده عدداً من المطارنة الموارنة الى القيادات المارونية، والطلب منهم تسمية مرشحيهم».

ولم يحدد كوشنير اسماء المسؤولين السوريين والإيرانيين الذين اتصلت بهم باريس، لكن بري بحسب المصادر «قدم تفسيراً لكوشنير حول مواقف الأمين العام للحزب»، موضحاً «ان لا بعد خارجياً لمواقفه، وان ما قاله يأتي في إطار الرد على مواقف لقيادات في الأكثرية تحدثت عن نيتها لانتخاب الرئيس بالنصف +1».

وتمنى بري «عدم تحميل الخطاب أكثر مما يحتمل، في ضوء ما آلت إليه مشاوراته مع قيادة «حزب الله» التي أكدت له ان نصرالله لم يصدر عنه أي موقف ضد التوافق، أو انه ليس مع الحوار الداخلي لانتخاب الرئيس بالتفاهم بين الأكثرية والمعارضة».

ودعا بري الى «تجاوز هذه المسألة وعدم اعتبارها رسالة خارجية ضد التوافق الداخلي». وقال ان نصرالله جزء أساسي في المعادلة الداخلية التي تسعى الى ايجاد مخرج لانتخاب الرئيس ولقطع الطريق على فراغ رئاسي، مكرراً الدعوة الى عدم الانشغال بالتعليق على الخطاب. واكد أن والحريري «واثقان بأننا سنصل في النهاية الى نتيجة إيجابية، وأن لا عودة عن البيان المشترك الذي التزمنا فيه اختيار رئيس توافقي من اللائحة التي وعد البطريرك صفير بإعدادها».

ونقلت قيادات التقت كوشنير عنه دعوته الى عدم اليأس، وإصراره على ضرورة توافق الأطراف المحلية على الآلية المتعلقة بانتخاب الرئيس، لا سيما ان صفير قال له انه بدأ تحركاً في اتجاه القيادات المارونية لمطالبتها بتسمية مرشحين.

وأكدت المصادر ان كوشنير أبلغ هذه القيادات ان على الأطراف الداخلية ان تقوم بكل ما عليها بالتعاون مع صفير ولدعم اعداده لائحة بالمرشحين وأن المجتمع الدولي سيكون المسؤول في التعامل مع أي طرف خارجي يحاول ان يعيق التوافق اللبناني - اللبناني، شرط ان لا يوفر له أحد في الداخل ذريعة لضرب المبادرة الفرنسية المدعومة عربياً وأوروبياً وأميركياً. وأوضحت ان كوشنير «لا يأخذ بالوعود الإقليمية التي تبدي استعداداً للتعاون مع المبادرة الفرنسية وسيلاحقها ويطالبها بالتزاماتها وإلا ستكون مكشوفة أمام المجتمع الدولي، لكن التوافق الداخلي يسرّع مطالبتنا إياها بأن تترجم أقوالها الى أفعال».

وعلمت «الحياة» ان الحريري كان أجرى بعد خطاب نصرالله اتصالاً بالسفير الإيراني لدى لبنان محمد رضا شيباني، سأله خلاله ما «إذا كانت المواقف التي أعلنها تصب في خدمة الجهود الرامية الى صنع فتنة مذهبية وطائفية في لبنان، خصوصاً بين السنّة والشيعة، ام انها تسبب مناخاً يتجاوز تهديد الاستقرار العام الى ما لا تحمد عقباه من تداعيات، ونحن ننبه الى السلبيات المترتبة على الخطاب».

وطالب الحريري السفير شيباني وفق مصادر ثقة، بأن «تتحمل إيران مسؤوليتها في تطويق تداعيات الخطاب، لأن كثيرين في لبنان سيحمّلونها مسؤولية مباشرة إزاء هذا التصعيد في الموقف لعلاقة الحزب الوثيقة بإيران». وأوضحت المصادر ان شيباني «عاد ليتصل بالحريري موضحاً خلفية مواقف نصرالله، ومؤكداً ان القيادة الإيرانية لم تبدل موقفها من التصدي لمنع فتنة مذهبية في لبنان، وأنها ما زالت عند دعوتها الى التوافق بين اللبنانيين على الرئيس، وأن حزب الله جزء لا يتجزأ من الذين يحرصون على الاستقرار، وأن ما صدر عن السيد نصرالله يأتي في إطار الضغط من اجل التوافق لمنع الفراغ».

تحرك خوجة

الى ذلك، واصل السفير السعودي في بيروت الدكتور عبدالعزيز خوجة تحركه امس، فزار أحد اقطاب المعارضة رئيس الحكومة السابق عمر كرامي. وقال الأخير ان السفير خوجة يعتبر ان «هناك املاً كبيراً بالوصول الى حلول ترضي الجميع. وأوضح ان هناك مؤشرات نرجو ان تتكلل بالنجاح ويتم التوافق».

كما زار السفير الأميركي جيفري فيلتمان عصر امس البطريرك صفير ونقل إليه تحيات وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس «وتقديرها للجهود التي يبذلها».

الحريري

وأعلن الحريري في حديث الى محطتي «تي في 5» و «ار أف أي» الفرنسيتين أن قوى 14 آذار «لا تريد أن تفشل المبادرة الفرنسية، ونبذل ما في وسعنا لانجاحها ولنصل الى حل، ولكن من يستطيع افشالها هو النظام السوري». وأضاف: «واضح جداً بعد كلام (الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة) أحمد جبريل وخطاب السيد حسن نصرالله والتهجمات السورية على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من قبل (الوزيرة السورية) بثينة شعبان وآخرين، أن النظام السوري يهاجم فرنسا في الوقت الذي يقول انه يريد أن يلعب دوراً إيجابياً». وتابع انه كان لخطاب نصرالله صدى سيئ وأنه انقض على مبادرته وبري والمبادرة الفرنسية والمحاولات مع صفير. وأوضح أن «هناك احتمالاً كبيراً لانتخاب رئيس توافقي، إذا مورست ضغوط على الآخرين».

وزاد أن بري «يحاول تمرير الانتخابات الرئاسية بنية طيبة، لكن هناك ضغوطاً سورية تمارس على اصدقائنا في لبنان». واستدرك: «كل ما نريده هو رئيس يتمتع بروح 14 آذار، يؤمن باستقلال لبنان وسيادته وحريته ويرفض الهيمنة الخارجية على لبنان، ولا يقبل بأن يكون ساحة لتنفيذ المصالح الإيرانية أو الأميركية أو أي بلد آخر. ما نريده هو رئيس تهمه المصلحة اللبنانية أولاً».

وسئل: هل تذهبون الى الانتخابات الرئاسية بالنصف زائداً واحداً فأجاب: «يجب إعطاء الفرصة للحوار والتوافق والتفاوض بنيَّة حسنة. نحن لا نلعب لعبة مزدوجة كما يفعل النظام السوري، قلنا مراراً إننا نريد رئيساً ومن الأفضل أن يكون توافقياً، يحصل على 120 صوتاً في البرلمان، ونتفاوض على هذا الأساس».

ورأى الحريري أن «المعارضة غير قادرة على تشكيل حكومة ثانية على رغم التهديدات التي تطلقها. انهم يحاولون التلاعب لأن لديهم السلاح من سورية وايران ويهددون به. نحن نأخذ هذه التهديدات بجدية، ولكن هل ينفذونها؟ لسنا جمعية خيرية، نحن نمثل أكثرية الشعب اللبناني، وسنقوم بكل ما في وسعنا لمنع أي تهديد للاستقرار بمساعدة اصدقائنا، خصوصاً الفرنسيين».

بيلمار لخلافة براميرتز

وفي نيويورك، أعلن ان الامين العام للامم المتحدة عين الكندي دانيال بيلمار رئيسا للجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. واعلن بان، في رسالة الى مجلس الامن، تعيين بيلمار المساعد السابق للمدعي العام في كندا، خلفا للبلجيكي سيرج براميرتز على رأس اللجنة الدولية.

وفي المقابل، عين برامرتس الذي تنتهي ولايته في 31 كانون الاول (ديسمبر) مدعيا عاما لمحكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة خلفا للسويسرية كارلا ديل بونتي اعتبارا من اول كانون الثاني (يناير).

وشكر بان في الرسالة براميرتز «على ادارته لسير التحقيق وعلى التزامه مساعدة الحكومة والشعب اللبنانيين من اجل انهاء عهد الافلات من العقاب في البلاد».

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)