بدأت حدة الخلاف تتصاعد بين الأطراف السياسية والدينية والعشائرية السنية العراقية، بعد تراجع دور تنظيم «القاعدة»، واختراق القوات الاميركية للتركيبة الاجتماعية، وتعاظم دور ميليشيا العشائر.

وفيما احتل مسلحون تابعون للوقف السني يطلقون على أنفسهم اسم «ثوار الأعظمية» أمس مقر «هيئة علماء المسلمين» في بغداد وطردوا موظفيها، اتهم شيخ عشائر الدليم في الأنبار الحكومة المحلية التابعة لـ «الحزب الاسلامي» بالفساد، على خلفية صراع بين جبهة «التوافق» والعشائر حول رغبة الأخيرة في المشاركة في الحكومة بدلاً من الكتلة البرلمانية الممثلة للسنة.

ومع زيادة وتيرة الدعم الاميركي لمطالب ميليشيات العشائر السنية بالانضمام الى قوات الأمن، بدأ الصراع على التمثيل السني ينبئ بالمزيد من التوتر، وأعلنت «هيئة علماء المسلمين» في بيان أمس أن قوة من حرس السيد أحمد عبدالغفور السامرائي، رئيس ديوان الوقف السني، اقتحمت مقرها بالقوة، وأغلقته وأوقفت بث إذاعة أم القرى، وأخلت المبنى من أثاثه، واقتلعت اسم الهيئة وشعارها.

وعلى رغم ان تطور الخلافات بين الوقف السني و«هيئة العلماء» يبدو مفاجئاً، إلا أن مطلعين أكدوا ان النزاع على التمثيل المذهبي يتعدى الحادث الأخير الى صراع على مرجعية المساجد وتعيين الخطباء والمشاركة في المؤتمرات والتنسيق مع الحكومة. واتهمت الهيئة منفذي عملية أمس بالعمل على إبعادها «عن الفعل المؤثر في الساحة الداخلية، لحساب جهات مشبوهة». وتعتبر الهيئة أبرز المؤسسات السنية وهي ترفض الاحتلال الاميركي وتنتقد الحكومة العراقية بشدة. وأثار أمينها العام حارث الضاري جدلاً كبيراً بسبب تصريحاته المؤيدة لـ «القاعدة»، ودعوته العشائر الى عدم الالتحاق بـ «مجالس الصحوة» التي يمولها الأميركيون وتقاتل التنظيم لأنه «منا ونحن منه». ويقود رئيس ديوان الوقف السني عملياً «مجلس صحوة مدينة الاعظمية» شمال بغداد واستقطب العديد من الشباب لقتال «القاعدة» ونفذ استعراضاً عسكرياً في الشوارع أمس.

الى ذلك، لا تقل مسافة الخلاف بين العشائر وجبهة «التوافق» السنية، في حجمها ودلالاتها، عن خلافاتهما مع «هيئة العلماء»، خصوصاً بعد ابداء العشائر رغبتها في حقائب وزراء الجبهة المنسحبين من الحكومة. واتهم الشيخ علي الحاتم، أحد كبار زعماء العشائر الثائرين على تنظيم «القاعدة» في الأنبار المجلس المحلي هناك وهو تابع لـ «الحزب الاسلامي» بالفساد وطالب في تصريح الى «الحياة» رئيس الوزراء نوري المالكي بعدم «مجاملة البرلمانيين السُنة أو منحهم مهلة زمنية للعودة عن قرار الانسحاب»، معتبراً ان العشائر التي حاربت «القاعدة» أولى من الجبهة بحصة السنة في الحكومة.

وقد اتخذ الخلاف السني - السني أبعاداً دموية، مع محاولة تنظيم «القاعدة» اعادة ترتيب أوراقه المبعثرة فنفذ عملية احتلال لناحية العدوانية، جنوب بغداد، ما اضطر مجموعات مسلحة سنية، بينها «الجيش الاسلامي» الى التدخل مع العشائر لصد الهجوم قبل تدخل القوات الاميركية والحكومية.

وقال الشيخ عماش الربيعي، رئيس المجلس البلدي لناحية الرشي، جنوب بغداد لـ «الحياة» إن مسلحي «القاعدة» هاجموا منطقة العدوانية صباح الاثنين الماضي ما أسفر عن مقتل 5 من المدنيين وجرح 18 آخرين اضافة الى نزوح أكثر من 463 عائلة فيما قتل 15 مسلحاً من التنظيم وأسر 14. وأضاف أن «القاعدة» تحاول السيطرة على طريق بغداد - بابل الواصل بين العاصمة والمحافظات الجنوبية، وأن عشائر المنطقة نجحت في صد الهجوم. لكنها تشكو قلة السلاح والذخيرة.

وأكد الجيش الاميركي ان حوالي 15 مسلحاً من التنظيم قتلوا في «معركة ضارية» جرت جنوب بغداد، مشيراً الى أن طائرتي أف 16 ألقتا قنبلتين، زنة الواحدة منهما 225 كيلوغراماً، استهدفتا مواقع لـ «القاعدة».

مصادر
السفير (لبنان)