بلغ عدد السكان المقيمين في سورية في منتصف العام الحالي 19,172 مليون نسمة. لا شيء غير عادي في هذا الخبر. ولكن التفاصيل قد تكون مقلقة بعض الشيء.

عدد الأطفال من عمر اقل من سنة 474 ألف طفل في منتصف هذا العام. أفكر هنا بالكمية اللازمة لهذا العدد من حليب الأطفال وحفاضات الأطفال وأدوية الرشح والمغص والمراهم. فيما بلغ عدد الأطفال من عمر سنة واحدة إلى أربع سنوات 188ر2 مليون طفلا. هؤلاء جميعا يحتاجون إلى رياض أطفال ومن ثم مدارس وكتب ودفاتر وأقلام ولقاحات وأدوية.

إلى أي حد حكومتنا مستعدة لاستضافة هذا العدد الهائل والمتزايد باضطراد؟

لست أفكر في الكم فقط. يمكن للحكومة أن تبني مدارس وتوظف آلاف المعلمين. أفكر في النوع. أية مدارس ستبنى وأي معلمين سيقومون على تنشئة هذه الملايين؟

أجريت بحثا بسيطا جدا على عشرين معلما (ومعلمة) تخرج حديثا من معهد إعداد المعلمين، ليعلموا في مدارسنا الابتدائية. سألتهم خمسة أسئلة:

1- من هو عبد الرحمن الشهبندر؟

2- من هو الرئيس الأمريكي الذي جرت فضيحة ووترغيت في عهده؟

3- من هو مؤسس النظرية النسبية؟

4- ماذا تعني نظرية الاصطفاء الطبيعي؟

5- ما هو المفعول معه؟

ثمانية معلمين عرفوا أن عبد الرحمن الشهبندر مناضل وطني سوري ضد الاحتلال الفرنسي لسورية. ثلاثة من بين الثمانية عرفوا أنه كان على خلاف مع الكتلة الوطنية. واحد عرف متى توفي. بالمقابل، أربعة قالوا إنه فدائي فلسطيني. اثنان قالا إنه وزير سوري في الخمسينات. واحد قال إنه رئيس وزراء سورية في السبعينات. وواحد قال إنه رئيس غرفة تجارة دمشق. أربعة قالوا إنهم لا يعرفون.

نصف المعلمين قالوا إن الرئيس الأمريكي الذي جرت فضيحة ووترغيت في عهده هو الرئيس نيكسون، ولكن أربعة فقط عرفوا اسمه الأول. ثلاثة قالوا إنه جورج بوش الأب. اثنان قالا إنه الرئيس بيل كلينتون، وأكد واحد منهما أن بطلة الفضيحة كانت مونيكا لوينسكي. خمسة قالوا إنهم لا يعرفون.

اثنا عشر معلما قال إن مؤسس النظرية هو أينشتاين، ولكن واحدا فقط تذكر اسمه الأول. أربعة قالوا إنه نيوتن. واحد نسب نظرية النسبية إلى ابن رشد. وثلاثة قالوا إنهم لا يعرفون.

معلم واحد فقط أجاب على سؤال ماذا تعني نظرية الاصطفاء الطبيعي. تسعة عشر معلما سكتوا. وعندما طرحت اسم دارون، سبعة منهم قالوا إنه الكافر الذي يقول إن أصل الإنسان قرد.

أربعة معلمين عرفوا ما المفعول معه. خمسة قالوا إنه ظرف الزمان أو المكان. واحد صلح لي السؤال وغير معه إلى به. وقال عشرة إنهم لا يعرفون.

هؤلاء المعلمون سوف يغزون مدارسنا الابتدائية، ليشكلوا وعي أبنائنا في أحرج مرحلة تعليمية من حياتهم. مطربهم المفضل علي الديك ومطربتهم المفضلة نانسي عجرم، وبطلهم المعبود هو جان-كلود فان دام أو ليوناردو دو كابريو. يختلط عندهم الوطن بالشخص، والعلم السوري بعلم البرازيل، وسيغموند فرويد براغب علامة. عندما كنت تلميذا في المدرسة الابتدائية تعلمت (مع القراءة والحساب) النشيد الوطني وحب العلم السوري ونشيد موطني.. موطني ورفض الظلم وقصيدة إذا الشعب يوما أراد الحياة، وتاريخ سورية الحديث. في مدارسنا اليوم معلمون (وخاصة معلمات) يلغون درس الفائدة من منهاج الرياضيات ودرس التكاثر البشري من منهاج العلوم، ويعلمون أطفالنا أن البيتزا حرام، ويطلبون منهم ألا يتثاءبون لأن الشيطان سيدخل من أفواههم ويسكن أجسادهم. ومنهم من يجبر الأطفال على حفظ سورة "النبأ" في الصف الأول، ثم يتفنن في شرح آيات الجحيم إن جهنم كانت مرصادا. للطاغين مآبا. لابثين فيها أحقابا. لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا. إلا حميما وغساقا. ومنهم من يطلب إلى الأطفال النظر إلى القمر ليروا كيف انشق، في تطبيق للآية القرآنية اقتربت الساعة وانشق القمر.

ونعود إلى السؤال: هل تستعد الحكومة لملايين الأطفال الذين سوف يدخلون إلى المدرسة قريبا، بأبنية صحية وملاعب وكادر مؤهل، والأهم بمنهاج عصري، علمي، غير غيبي ولا أيديولوجي؟

ولا تتعلق القضية بالأطفال دون الخامسة. فالمكتب المركزي للإحصاء يقول إنه ثمة نحو 584ر2 مليون طفل تتراوح أعمارهم من خمسة على تسعة، و319ر2 مليون من 10 على 14، ثم 242ر2 مليون من 15 إلى 20. فإلى أي حد تضع الحكومة في خططها تأمين مدارس ثانوية وجامعات متحضرة. وأهم من ذلك فرص عمل تكفل لهم حياة كريمة، كمواطنين في وطن جدير بهم وجديرين به.

وأخيرا، هناك 642 ألف نسمة يزيد عمرهم عن 65 عاما. في أماكن أخرى من العالم، تبدأ حياة البعض بعد سن الخامسة والستين، عندما يتقاعدون ويتفرغون لهوياتهم ورحلاتهم ورياضتهم المفضلة. نسبة كبيرة من السياح في العالم من هذه الفئة العمرية. في بلدنا، يصاب الرجل باكتئاب عند بلوغه هذه السن، لأنها تعني بالنسبة إليه القعود في البيت ومشاهدة التلفزيون ومشاجرته مع زوجه أو كنته أو أولاده. أو في أحسن الأحول يذهب إلى المقهى (الذي بدأ يختفي من مدننا الجميلة) ويتثاءب مع رفاقه متمنيا حسن الختام.