أقول أنني لست نادمة، وأن وجودي في حزب سياسي رغم عدم تجاوزي السادسة عشر لم يمحُ عبر الزمن قناعتي بان العمل العام "تعبير المواطنة" والانتهاء من الحديث عن "ديوان مظالم الإناث" إلى اختراق الحياة رغم أنف الظروف، أو النظرات التي كانت تلاحقني.

في هذه التجربة صورة لا يمكن أن أنساها من المعاملة على أساس الوصاية، فالذكور الذين تركتهم في البيت عادوا ليظهروا في كل عمل أمارسه، فهم حريصون على "شرف" الأناث حتى داخل المؤسسة التي اعتقد حتى اليوم أنها تمثل الحداثة، وهم أيضا جلادون بمحاضرات الأخلاق وبالانتهازية الجنسية، وهم أخيرا صورة المجتمع الذي لم يفارق أي تشكيل أردنا أن يخرجنا من العصور الوسطى باتجاه الحاضر.

"التجربة الحزبية" كانت أقسى ما اتوقع... كانت تحمل إضافة لمظاهر العفن في المجتمع صراعا مستمرا بين العودة للماضي، أو محاولة الاستمرار!! وكانت تحمل الأذى النفسي وضريبة التعامل مع التيار الجارف الذي يريد كل أنثى صورة لخياله.. فحريتها على طراز ما يحلم غالبية الذكور به، وحتى نضالها سيبقى "جذابا" لأنها "رقيقة" أو "شهوانية" أو حتى قادرة على تجسيد "إباحية" يرفضها الجميع لكنهم يرغبون بممارستها.

هذه "التجربة" بقيت معلقة على كتفي وأنا أحملها من سنة لأخرى، دون أن أشعر لحظة أن الحياة قابلة للعيش إذا لم تبقى صورة "الحداثة" موجودة أمامي، فانا لم أتحمل هذه التجربة بل هي تحملتني.. بنزاقتي وربما بكل ما حملته سنين المراهقة من تعب، وبقيت اللحظات التي مرت أكثر من ذكرى، لأنها في النهاية جزء من التفاعل مع ما نريد بغض النظر عن المساحات الفارغة التي تركتها الأحزاب أو التنظيمات أو حتى الآمال التي نريدها داخلنا.

لم أفهم يوما بأن "العمل العام" في الحزب أو داخله يمكن أن ينتهي باتجاه مراحل ما قبل الحداثة، ولا أستطيع رؤية "الحزب السياسي" خارج الوطن والمواطنة والانتماء والتفكير بأجيال لم تولد بعد، وربما لهذا السبب كان الحزب أو السياسة أو الثقافة تتجسد أمامي بشرا من لحم ودم فأعرف أن القسوة التي تحيط بي هي في النهاية خطوة في الحياة عليّ تجاوزها سواء قررت الوجود في حزب أو مؤسسة، أو الاعتزال داخل البيت.

سنوات ليست طويلة لكنها ستقنعني دائما أن الحياة كما نريدها لا تحتمل العودة للوراء، والبحث عن أشكال تخفينا وراء النقاب، لأننا وجدنا كي نحيا كل اللحظات، فإذا تهاوت الأحلام فجأة فلأننا عجزنا عن الحلم من جديد ... عجزنا عن بناء حياة تستوعب أبناءنا...

قسوة "التجربة" لم تكسر قلبي... وصورة "الأنثى" اليوم تقنعني بأنني متجددة "دون نقاب" وربما بعيدا عن التقيمات السريعة لكل التجارب في الأحزاب وخارجها، لأن الحياة في النهاية لن تتوقف عن تجربة واحدة، والانتماء للوطن لن يكون إلا عبر الحداثة... عبر الانتهاء من الردة التي تثار كل لحظة باتجاه الزمن الذي ولى.