رغم الإضرابات التي تمثّل الهاجس الأول للفرنسيين، فإن السياسة والتعليقات السياسية في أمور تتجاوز الإضراب، لا تزال زاهرة، وخصوصاً أن أحد الاستطلاعات خرج ليشير إلى أن الرئيس نيكولا ساركوزي يحظى بتأييد أكبر في مجال السياسة الخارجية منه في الشؤون الاقتصادية. ومن هنا، فإن بعض التعليقات تشير إلى أن وزير خارجيته برنار كوشنير «يأخذ ما يقبل ساركوزي بتركه له».
ويرى المعلّقون في الماضي القريب، من أزمة الممرضات في ليبيا إلى أزمة التشاد مروراً بدارفور وإعادة تأطير العلاقات مع واشنطن، أمثلة تدل على هذا «الاستئثار بالواجهة الإعلامية» في الشؤون الخارجية، رغم أن «هذه الواجهة هي التي جذبت كوشنير الاشتراكي إلى ضفة التعاون مع الرئيس اليميني».
ويضيف بعض المعلقين «حتى في ملف حلّ الأزمة اللبنانية التي سمّيت مبادرة كوشنير»، فإن التدخل الرئاسي أطل برأسه «حالما بدأت الأمور تأخذ منعطفاً جدياً»، فأرسل ساركوزي أمين أسراره ورجل الإليزيه القوي كلود غيان في جولة حاسمة إلى دمشق وبيروت مروراً بالفاتيكان.
وفيما الأنظار متجهة اليوم نحو بيروت بانتظار نتيجة الضغوط الدولية في الانتخابات الرئاسية، تعمل الولايات المتحدة على البدء بتحريك الملف الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي وتوجيه الدعوات إلى مؤتمر أنابوليس. وفي هذا الملف أيضاً تقول التعليقات إن كوشنير «يقبل بما تتركه له كوندوليزا رايس». فحتى اليوم لا تعرف باريس ما إذا كانت مدعوّة لحضور هذا المؤتمر أم لا، ووصل الأمر إلى حد أن «رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت دعا ساركوزي لحضور المؤتمر»، وهو ما أكده المتحدث باسم الرئاسة الفرنسية ديفيد مارتينو، مضيفاً «إنه يجب انتظار الدعوات والنظر في مستوى الحضور» قبل الإجابة.
ومع هذا، فإن كوشنير توجّه إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل وأجرى محادثات تركزت على اجتماع أنابوليس ومؤتمر المانحين. وقد لاحظ المراقبون إضافة إلى «التغيير الجوهري في موقف فرنسا من القضية الفلسطينية» بشكل عام منذ وصول ساركوزي إلى الإليزيه وكوشنير إلى الكي دورسيه وغضّها النظر عن «انتهاك الحقوق الإنسانية في غزة»، فإن تغيّراً إضافياً حصل في الأيام الأخيرة في ما يتعلق بمؤتمر أنابوليس. إذ إن هدف هذا المؤتمر، حسبما ورد على لسان الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارحية باسكال أندرياني، لم يعد التوصل إلى حل للنزاع بل «تحقيق تقدم جوهري في أنابوليس بغية إعادة إطلاق المفاوضات حول الوضع النهائي»، للأراضي الفلسطينية. وهو ما وصفته الناطقة بأنه «التزام فرنسي».
ويتفق المراقبون على أن «مؤتمر المانحين» الذي وضعه كوشنير على خط السير هو بطريقة ما «محاولة تسمح لفرنسا بالمشاركة» بعدما استبعدتها الولايات المتحدة من ملف الشرق الأوسط منذ تأسيس اللجنة الرباعية.
وما يزيد من «بهتان نشاط كوشنر» في الملفات الساخنة هو ابتعاده عن الملف الإيراني منذ «تصريحاته الحربية»، وانتقال هذا الملف إلى الفريق المقرب من ساركوزي في وزارة الخارجية، الذي يركّز على ضرورة الكشف عن مختلف «المسائل العالقة» في البرنامج النووي الإيراني، إذ لا يتردد أعضاؤه في الحديث عن «أن السياسة الفرنسية في هذا الملف تأخذ بالاعتبار هاجس الأمن الإسرائيلي».
وتنتظر باريس، بحسب مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، جواباً عن سؤال أساسي «ماذا ستفعل طهران بكميات اليورانيوم المخصّب بما أنها لا تمتلك مفاعلاً نووياً؟». وتابع أنه «بغياب هذه الإجابات، فإن الجواب الوحيد هو تصنيع قنبلة أو على أقل حد امتلاك القدرة على تصنيعها»، وهو ما سماه «الطريقة اليابانية».